مسرحية
أحلام الجماجم
تأليف/ حامد الزبيدي
(مسرحية ذات فصل واحد)
t
الشخصيات:
- الكائن 1.
- الكائن 2.
- المهرج.
- الأشباح.
المنظر في المسرح ضياء خافت تتميز فيه الأشياء … سجن كبير بعيد الأسوار موحش..في وسطه شجرة كبيرة يابسة وعلى أغصانها المتدلية طيور سود يتكئ على ساقها كائن يرتدي ملابس بالية يتأمل في المكان وينظر الى الكائنات الأخرى – منها كائن كأنه مهرج قذر يحمل سوطاً يضرب فيه قطيع من الكائنات الأخرى ..انها تشبه الأشباح رؤوسها دون رقاب وأذرعها بلا أكتاف عيونها جاحظة بلا أصوات تأن تصرخ ففي الجانب الآخر كائن يرتدي ملابس حديثة عيونه المتوحشة تتأمل المكان..
الكائن2 (الى الجميع) ابصق في وجه الانسان ..أبول على جميع الحضارات ثم أخلع نعلي وأضرب وجه التاريخ (يضحك) ..(صوت رعد-رياح شديدة).
الكائن1 (يدور حول الشجرة) في ذلك المكان …من تلك الساعة يحملني الطوفان..للقادمين من هناك (صوت هطول المطر) في الزمن الاتي ..يرقصون..يفرحون..يضيئون الليل من أوردتي (موسيقى حالمة هادئة) ثم ينامون في أحداق البركان ..فوق أوردتي وينتهي الإنسان.
الأشباح (ترنيمة) هابيل..هابيل..هابيل (أنين ممزوج بموسيقى).
الكائن1 الجذوة تكبر تصبح أكوان من جحيم في أعماق الإنسان..تصعقه تجرده تجعله بلا عنوان.
الكائن2 (يصرخ) آه.. (يهجم على شبح صغير يمسكه ثم ينتزع من رأسه دماغه ثم يأكله بشراهة وبعض من الأشباح الهاربة من الكائن الثاني تقترب من الكائن الأول إلا أن المهرج يضربها تلوذ بالكائن الذي يدور حول الشجرة).
الكائن1 جماجم ورائي تمشي .. هياكل تحمل نعشي..ليل دامس وفجر عقيم (الأشباح تدور حوله وهي تردد كلامه ثم تنصرف الى زاوية أخرى).
الكائن2 (في الزواية البعيدة يدور حول المهرج) إني جائع إني جائع..اريد أدمغة بشرية..ان هذه الأشباح اصبحت كلها فارغة خاوية.
المهرج ألا تنتظرها حتى تنجب.. حتماً ستكون هناك أدمغة طازجة.
الكائن2 (ثائر) أكاد أموت من الجوع..لن أتحمل..اني اتعذب إني أقاسي..تعال..تعال.. وانتشلني من عذابي ..انقذني من هذا الجوع.
المهرج اتريد أن تأكل دماغي؟لا.. لا.. لا يمكن أن تأكل دماغي..اني المهرج كيف لي أن اعيش من غير دماغ..كيف تعيش من بعدي ؟..من ذا الذي يضحكك..من ذا الذي يدخل البهجة والسرور في أعماقك.
الكائن2 أيها الكائن البائس..أن الجوع لا يعرف المسرات ولا يؤمن بالنواميس سوى ناموس الأشباح ..تعال (يطارده المهرج يسقط أرضاً الكائن2 يدور حوله) تعال كي انقذك من بؤسك..عندما أأكل دماغك ستعيش من غير ألم كهذي الكتل اللحمية..لا تفكر بأي شيء.
المهرج بحق خدمتي وركوعي وسجودي اليك ..كفَّ عن هذا المزاح.
الكائن2 ليس مزاحاً ايها الثرثار الممل.
المهرج اني خادمك المطيع..اني يدك التي تبطش بها..والعقل الذي ينير لك الطريق.. بحق ظلمك ونورك وقوتك وجبروتك لا تأكل دماغي (يهجم عليه ويمسكه من عنقه) مهلاً مهلاً ..اني سألبي ما تريد(يؤشر الى الكائن1) لم لا تذهب الى ذلك الكائن سأضعه لك في شباك مكائدي ومن بعده سأنذر لك نفسي وجبة شهية. الكائن2 (ينهض) أي كائن هذا ..آ..يبدو انه آخر كائن في هذا المكان.
المهرج (يقترب من الكائن2) انه يشبهك … اعتقد ذلك ولكن يبدو قوياً.
الكائن2 لا شيء كمثلي…أما قوته فهي زفيري…أخدعه، ان تكون قناعي اذهب اليه وبأسلوبك الأخاذ الساحر ياغورجياس أخدعه اقلب له الحقائق …اخدعه ياغورجياس بحكمتك ومكرك وكذبك.
المهرج سأفعل ذلك… وسترى ماذا يفعل غورجياس (يؤدي بعض من رقصات الشعوب القديمة والحديثة بحركات بهلوانية يقترب من الكائن1) وبصوت غنائي كيف؟…متى؟…اين؟.
الكائن1 لا أعلم ان كنت هنا قبل الضوء …أو قبل الأشياء…أو بعدها ولكنني هنا من غير اختيار.
المهرج (يقترب أكثر) وما هي جريمتك (الكائن2 يتربص بالكائن1 لكي ينقض عليه). الكائن1 جريمتي اني هنا بينكم…اتنقل ما بين السجون الحالكة…الى ميقات محاكمتي (الكائن2 يستغل انشغال الكائن1 مع المهرج ويهجم بحركة خاطفة يلتف حول الشجرة. موسيقى عالية. برق خاطف من أعل الشجرة الكائن2 والمهرج يهربان من الفزع نحو الخلف)
المهرج آه لقد احترقنا (تنثور الأشباح).
الكائن2 ايها المهرج عليك بالقوى العمياء …انها ثائرة اردعها بسياطك واجلدها حتى الرضوخ (المهرج يجلدها…الأشباح تقاوم ثم تموت ثورتها تتحرك ببطئ الى مكانها تنام على الأرض بشكل فوضوي) كيف أتمكن منه أنه يلوذ بشجرة ذات سلطان خارق.
المهرج حق انها شجرة خارقة…من يقترب منها يصعق.
الكائن2 ما العمل كيف السبيل اليه؟.
المهرج كل دماغي …افترسني…انه لأفضل عندي من الاقتراب من هذه الشجرة.
الكائن2 لا.. أريد أن اعرف سر هذه القوة..علني اسيطر عليها وأطوعها لمشيئتي.
الكائن1 اذاَ اردت أن تعرف سر هذه الشجرة..عليك بأرجاع جميع الأدمغة التي أكلتها الى أصحابها.
الكائن2 طلبك غير مستجاب ..انه المحال بعينه (يسحب المهرج) ألا تستطيع ابعاده عن هذه الشجرة.
المهرج أحاول ذلك (يعود من جديد الى رقصاته يشيد قصور في الهواء) ألا تساعدني في بناء هذه القصور .
الكائن2 كف عن هذا البناء…لا تتجاوز على ممتلكاتي.المهرج اني ابني قصوراَ في الهواء …كله خيال في خيال (يعود الى البناء) هنا سيكون قصر كبير..لا لا..بل هنا..(مقاطعة)
الكائن2 كف عن هذا البناء.. لا تتجاوز على ممتلكاتي.
المهرج (هامساً الى الكائن1) ما أقسى أن أكون تحت وطأة هذا الكائن البغيض أنه مستبد..صنع سلاسل الرعب في جماجمنا..رضوخنا منحه القوة والجبروت علينا وسيطر علينا الوهم.
الكائن2 أيها المهرج اللعين (يلتفت نحوه)
المهرج أني لا أتنفس…وأنما أحيك خيوط شباكي (أي الكائن1) أريد أن أبني قصر كبير والتحرز من الخرافة اتساعدني في هذا البناء؟
الكائن1 من الأفضل لك أن لا تعيش في الخيال…اعتق نفسك من الرق ولا تبقى قابعاً تحت ظلال العبودية …ايها الزائل…أن الايام ستقول يوماً…الى الأشجار الباسقة..الى الريح الى القمر والشمس والى كل الأكوان إنك أتفه مخلوق في كل الأزمان .
المهرج انني برهة..لحظة وأريد أن أعيشها..اريد أن اتمتع بكل جزئياتها (بقوة الى الكائن2) وهذا السيل يداهمني…يخنقني له مخالب مغروسة في كل مكان من جسدي .
الكائن1 لا تخشى هذا الوهم..أنه لاشيء.
المهرج بك لا أخشى .. يا حبذا لو تكون صديقي (يقترب أكثر).
الكائن1 قف في مكانك… لا تقترب أكثر..ربما تحترق وتخسر اللحظة التي انت فيها..
المهرج (يتراجع نحو الخلف) نعم النصيحة..لقد نسيت..من أنت وماذا تريد؟.
الكائن1 أنا هنا أشياء كثيرة بالنسبة لهذه الأشياء..ولا شيء بالنسبة للحاكم..أريد أن أراه حتى يخرجني من هذا المكان..أريد ملاقاته أريد أن أتحدث له عن معنى الأحزان.
الكائن2 ان بإمكاني اخراجك من هذا المكان.
المهرج انه يستطيع أن يخرجك من هذا المكان…ثق به…
الكائن2 مقابل ان تسلمني نفسك.
الكائن1 مساومة قذرة..دنيئة.
الكائن2 لتبقَ هنا ولا أحد بمقدوره أن يخرجك من هذا السجن الكبير..وستقع في يدي وأعلمك من أنا.
الكائن1 في يوم ما سأخرج من هنا.
المهرج لا أمل لك في ذلك..لا تحزن.. تعال تعال وأرقص معي رقصة تبدد فيها كل أحزانك وما تعتريه نفوسنا من أدران.
الكائن2 هيا لنرقص ولنغني … هيا لنعيش.. انطلق انطلق.
المهرج ان عقارب الزمن لن تهدأ أو تقف ..انها تبقى يقظة تضرب في نواقيس كياننا تذيبه تمتصه ثم ترميه في العدم…وهكذا تنتهي الدورة الدورة التي بدأنا فيها..لم نعيش في مستنقع الهموم؟.
الكائن1 (يلتقط غراب ميت من أعلى الشجرة ثم يرميه عليها) هكذا أنتم …أما نحن فأشياء أخرى.
المهرج أهرب انه يحاول أن يحرقنا بهذا الطعم.
الكائن2 لا تهرب…اريد أن أحصل على دماغه بأي ثمن كان.. أن دماغ هذا المتأمل يبدو لذيذاً ما أطيب الأدمغة الحكيمة.
الكائن1 يا سجان… يا سجان... اين أنت أيها السجان؟.
المهرج ماذا تريد منه؟… أنه صديقي.
الكائن1 أريد أن يأخذني الى الحاكم…أريد أن أعرض جريمتي…باي زمن اقترفتها وفي أي مكان.
الكائن2 لا تغضب نفسك…أنك لا تراه..ولن تراه (يقترب من الأول).
الكائن1 أحذر لا تقترب مني أكثر والا ستصبح رماد.
الكائن2 ثق بي.. حتى أساعدك على الخروج..أيها المهرج اجلب لنا المعاول لنهدم الأسوار.
المهرج ستواجهنا أسوار أخرى. الكائن2 عليك بالمعاول…ستتهدم كل الأسوار (بنتوميم يجلب المعاول. يبدأن في التهديم).
الكائن1 أهدما ما شئتما..النهاية ستكون وخيمة.
الكائن2 هلم بنا لنخرج من هذا المكان…ألا تريد أن تعرف هذا المكان (الكائن2 والمهرج يضربان في الهواء).
الكائن1 (يستغل انشغالهم يذهب نحو الأشباح) هبوا عليهما.. اهجموا عليهما انهما منشغلان بتهديم المكان..
الأشباح لا نستطيع…لا نستطيع… لا نستطيع.
الكائن1 بل تستطيعون..هيا قبل فوات الأوان (تعصف الأشباح تتقدم ثم تهجم).
الكائن2 أيها المهرج هجمت علينا القوى العمياء ..أهجم عليهم وبسياطك اضربهم.
الكائن1 القوة الكامنة فيها لن تؤلمها سياطك..أنها ثائرة ثائرة لا محال (الأشباح تدور حول الكائن2 وبأصواتها الغريبة الغربية المرعبة تزداد قوة ونشاط ينهار شيئاً فشيئاً حتى يجثوا على ركبتيه المهرج يقاوم دون جدوى هو الأخر ينهار الكائن1 يصعد فوق الشجرة الأشباح تدور ثم يذوب كل ما هو موجود على المسرح الا الشجرة وفوقها الكائن1 يزداد الضوء موسيقى حالمة الكائن1 يتأمل.
أظلام.
تأليف/ حامد الزبيدي