ايوب الغرام عضو مهم داخل المنتدى
عدد الرسائل : 101 عدد نقاط نشاطك في المنتدي : 82472 تاريخ التسجيل : 20/11/2009
| موضوع: وصيّة أبي أيُّوب الأنصاري الجمعة 21 يناير - 19:44 | |
| أ ـ موضوع المسرحية وزمانها ومكانها:
موضوع المسرحية مناقشة الوصيَّة التي أوصى بها أبو أيوب الأنصاري قادة الحملة التي قادها سفيان بن عوف لفتح بلاد الروم. وخلاصة الوصية أن أبا أيّوب أوصى قادة الحملة بأن يدفنوه في أقصى مكان يبلغه جيش الفتح، فدفنوه عند أسوار القسطنطينية سنة اثنتين وخمسين للهجرة.
* * *
ب ـ أشخاصها:
1 ـ أبو أيوب الأنصاري الخزرجي: هو الصحابي الجليل الذي نزل النبي ( في داره حينما هاجر من مكة إلى المدينة.
2 ـ سفيان بن عوف قائد الحملة على الروم في عهد معاوية.
3 ـ عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد المشاركين في الحملة.
4 ـ عبد الله بن عباس ابن عم النبي ( وفقيه الأمة.
5 ـ يزيد بن معاوية، نجل الخليفة، وأحد المشاركين في الحملة.
المشهد الأوّل
( (يكشف الستار عن قاعة كبيرة، يتصدّرها فارسٌ عربي الزِّي والسلاح، ويقف بين يديه رجلان مكتهلان تكنفهما الهيبة والوقار).
أحد الرجلين: (متجهاً إلى الفارس)
إيهِ سفيانَ بن عَوْفٍ!
ما الخبَرْ؟
فيمَ تدعوني؟
وتدعو ابنَ عُمَرْ
وكلانا زاهدٌ في الحُكْمِ
سفيان: لم تُدعيا للحكمِ
ابن عوف: فالأمرُ أَمَرّ
الرجل: أ لفَتْوى أم لبلوى؟
سفيان: بل إلى خَطَرٍ ترهبُهُ
عبد الله: أيُّ خطرْ؟
ابن عمر: أَعَنَيْتَ الغزوَ؟
(سفيان يهزّ رأسه موافقاً).
ابن عمر: ما المرُّ الذي فيهِ؟
سفيان: كأسُ الموتِ
ابن عمر: أهلاً بالقدر!
إنها الجنّةُ
يا شوقي إلى من قَضَوْا قبليَ في كرٍّ وفرّ
يا ابنَ عبّاس تجهّزْ
الرجل الأول أي عبد الله بن عباس: جاهزٌ
حسْبَيَ الفَيْصَلُ والمُهْرُ الأغرّ
ابن عمر: ومتى الغزوُ؟
سفيان: غداً نمضي إلى شاطئِ البُسفور في بحرٍ وبرّ
ابن عباس: جنّة الدنيا
ابن عمر: وعُدِنا جنّةً غيرَها
لم يَرَها قطُّ بشَرْ
ابن عباس: فإليها، لا إلى تلك الخُطا
وهي، لا الفَوْتُ من المَوْتِ، الظفرْ
(يقتحم المجلس من باب جانبيّ شيخ يتوكأ على عصا ويشدُّه حارس ليخرجه)
الشيخ: أيُّها الحارسُ، قد أَوْجَعْتَ كفّي
لا تسِرْ كالظلِّ خلفي
دَعْ يدي
قد قلتُ دَعْها
أين سُفيانُ بنُ عوفِ؟
سفيان: مَنْ؟ أبو أيّوبَ؟
سفيان: (متجهاً إلى الحارس) يا أرعنُ قد آذيْتَ ضيفي
عُدْ إلى البابِ
ولا يدخلْ من القوم أحَدْ
سفيان: (متجهاً إلى أبي أيوب) مرحباً، يا سيِّدَ الأنصارِ!!
ما حالُ البلدْ؟
أبو أيوب الأنصاري: مِرْجَلٌ
من تحته نارٌ، وأعلاهُ زَبَدْ
أشعل النزوُ إلى الغزو هشيمي، فاتّقدْ
إنّ روحي بنتُ عشرينَ
فلا تنظر إلى عُمر الجسَدْ
كيف تُخفي خَبَر الحملةِ عني؟
كيف تُخفي؟
سفيان: خِفْتُ أن أعنفَ بالشيخِ
أبو أيوب: هُراءٌ، أيّ خوفِ؟
أيُّ عنفِ؟
أنا تِرْبُ الحرب والزحفِ
فهل تنكرُ زحفي؟
ومتى خِفْتَ على مثلي؟
وهل أقعدَني شيبي وضعفي؟
إن في الأمر لكيداً!!
سفيان: لا فسفيانُ بنُ عَوْفٍٍ لا يكيدْ
أبو أيوب: أنا لا أَرميكَ
بل أرمي يزيدْ
(يدخل المجلس شابٌ موفور الصحة، أنيقُ الزيّ، وسفيانُ لا يراه)
سفيان: ويلتا!!
ما قلْتَ؟
الشاب: (وقد توسّط القوم) يرميني؟
سفيان: أترمي ابنَ أميرِ المؤمنينْ؟
يزيد بن معاوية: بمَ ترميني يا شيخُ؟
أبو أيوب: بإبعادي عن الغزو، عن الفتح المبينْ
باطرّاحي في حِمى جلِّقَ مغلولَ اليمين
إنني أقسمتُ أن أنفر ما عشتُ
خفيفاً وثقيلا
يزيد: والثمانونَ التي تحملُها!؟
أبو أيوب: قلتُ: خفيفاً وثقيلا
هي عمري
وجناحايَ إذا رُمْتُ إلى الروم وصولا
وسواءٌ أن أكونَ القاتلَ الظافرَ
والشِّلْوَ القتيلا
يزيد: لا تكلّفْ شلْوَكَ المضعوفَ غِشيانَ الصفوفْ
وأرح نفسك من زحف الزحوف
يزيد: (وهو يشير إلى عصا أبي أيوب ساخراً ومشفقاً): إنَّ مَنْ يحملُه العكّازُ يعيا بالسيوف
أبو أيوب: (يطرح العصا غاضباً مزمجراً) ارحلي
لستِ عصا موسى
ولا نخلةَ مريمْ
ودعيني بحسامي أتقحّمْ
كلَّ صعبٍ ومَخُوفْ
ارحلي
لن تقذفيني في جهنَّمْ
يزيد: إن تحاملْتَ على نفسك كي تَعْتِلَ حِملَكْ
وتثاقلْتَ على نفسك كي تَعْتِلَ ثقلَكْ
وتجاهلْتَ الثمانين التي تلتفُّ كالأغلال حولَكْ
فلمن تتركُ أهلَكْ؟
أبو أيوب: للذي يرزقُ من يخلقُ
لا ينسى عيالاً ومُعيلا
للذي من غي أن أُوكِلَهُ
كان وما زال وكيلا
أتظنُّ الناسَ كلَّ الناس مثلَكْ.
يزيد: (غاضباً من التعريض به) ما الذي تعنيه؟
أبو أيوب: قد ردَّدْتُ قولَكْ
يزيد: أيُّ قولٍ؟
أبو أيوب: أمُّ كلثوم بما أعنيه يا عاشقُ أدرى
عانِقِ الزوجَ
ودعني أعتنِقْ سيفاً ومُهْرا
واتركِ الغزوَ لجند اللهِ
هُمْ بالغزو أَحْرى
يزيد: أنا لا أنكر ما قلتُ
ولكني ظننتُ الأمر سرّا
وأبي أمطرني سُخْراً وتقريعاً وزجرا
أفلا تغفرها لي؟
أبو أيوب: بلى، أغفرُ إنْ أبصرتُ فعلَكْ
يزيد: ستراني يا أبا أيوبَ
أغزو الروم قبلَكْ
فتأهَّبْ
أبو أيوب: قد تأهّبتُ
يزيد: إذن أُعْطِيتَ سُؤْلَكْ
أبو أيوب: وغداً تُبْصرنا السوحُ
فتدري أيُّنا في الكرِّ أَضْرى؟
* * *
المشهد الثاني
( (يُكشف الستار عن خيمة عسكرية، يرقد على سريرٍ فيها جريحٌ محمومٌ معصوب الرأس، وهو أبو أيوب الأنصاري، وإلى جواره عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عُمر. وخلف الخيمة لوح كبير، رسمت عليه معالم القسطنطينية: سورُها وقلاعها وكنائسُها. وحول الخيمة خيام أخرى، فيها جنود يصطلون، ويشحذون سيوفهم قرب النار. ويظهر في المشهد عبد الله بن عباس ممسكاً بعَضُديْ أبي أيّوب، وهو يرتعدُ من الحُمّى).
عبد الله بن عمر: يا ابنَ عبّاسٍ
ترفّقْ بأبي أيوبَ
فالشيخُ عليلْ
ابن عباس: إنه يهذي من الحُمّى
ابن عمر: ستخبو نارُها عمّا قليلْ
أبو أيوب: (متقطع الأنفاس، متلجلج الكلمات)
لا تردُّوا موكبَ الهجرةِ عن داريَ
أهلاً بالوفودْ
ابركي يا ناقةَ الوحيِ على بابيَ
والناسُ شهودْ
ابركي
ولْيَرتحلْ عن يثربَ الغرّاءِ أحبارُ يهوْ
لفظَتْهُم أرضُنا عنها
فهم حيث يعيشون فلولْ
ابن عمر: بمَ يهذي؟!
ابن عباس: ليتني أهذي بما يهذي
ابن عمر: أتدري ما يقولْ؟
ابن عباس: تتجلَّى لأبي أيّوبَ أنوارُ الرسول
فيناجيه مناجاةَ خليلٍ لخليلْ
(يدخل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان مترفّقاً لئلا يزعج الشيخ)
ابن عباس: كالذي هيَّأَ للرحلة عن عالمنا زادَ الرحيلْ
يزيد: أتراهُ راحلاً؟
ابن عباس: رِحلةَ عاشقْ
(أبو أيّوب يتناهضُ ويبسط يديه مرتعش الكفين)
ابن عباس: أبصرَ المعشوقَ
فامتدت يداه ليعانقْ
إنه، إن صدق الظنُّ، مفارقْ
ابن عمر: (ويده على جبين أبي أيوب) يا أبا أيّوبَ؟
أينَ الكرُّ؟
هل أقعدَ تِرْبَ الحرْب جُرْحُ
أبو أيوب: (متناهضاً) مَنْ؟
يزيدُ ابنُ أمير المؤمنين؟
يزيد: عائداً جئتُك أستنصحُ
هل لي عند الليلةَ نصحُ؟
صادعاً بالأمر إن تأمرْ
معيناً شيخنا إذْ يستعينْ
مُرْ أُجِبْ
أبو أيوب: أستغفرُ اللهَ
أتنسى الله ربَّ العالمين؟
فهو الآمرُ، لا نحن، جميعَ الآمرينْ
وهو، لا أنت، المُعينْ
يزيد: أَوْصِني
أبو أيوب: أُوصيك أن تدفنَ جسمي
يزيد: أين؟ في أرض البقيعْ؟
أبو أيوب: لا
أبو أيوبَ لا يطمعُ في تلك الربوعْ
يزيد: أولا تعصفُ بالشيخ إلى أحبابه ريحُ الحنين؟
أبو أيوب: كلَّ يومٍ، كلَّ حينْ
غيرَ أني نهبُ إعصارٍ أشدّ
ليس لي في دفعِهِ
عن جسدي المَوْهونِ يَدْ
عاصف يقذفُ آمالي
إلى أُفْق بعيدٍ لا يُحَدّ
كلّما بلّغني أفْقاً مديداً
لاح لي أفْقُ أمدّ
يزيد: عادت الحمّى
أبو أيوبَ يَهْذي هَذَيانَ الذاهلينْ
أبو أيوب: منذ أن شرَّفَت الهجرةُ داري
لم تَفُتْني قطُّ هِجْرَةْ
منذ قال الوحيُ للناس: انفروا
أنفذت أمرَهْ
فحياتي نَفْرَةٌ تعقبُ نفرةْ
يزيد: كان ما كان، وقد ولّى الشبابْ
فدع الحرب لمن يَقْوَى على حملِ الحراب
أبو أيوب: لا
دعوني نافراً حيّاً وميْتاً
واجعلوا الهجرة قبري
بعدما حلَّتْ على بيتيَ بيتاً
واسكبوا سُؤْرَ دمي
دونَ فتيلِ الغزو زيتا
يزيد: كيف يغزو المرءُ إن أصبح شِلْوا؟
وهوى عضواً فعضوا
أيُّ لغز ذاكَ؟
أبو أيوب: لا أُلْغِز، بل أطلبُ غزوا
أو ما قُلْتَ: أتوصيني وصيةْ؟
يزيد: قلتُ، لا أنكرُ
لكنْ ما الوصية؟
أبو أيوب: هي ما قلتُ
يزيد: كفى لغواً ولهوا
أبو أيوب: لستُ ألهو
ومتى كان اختيار القبر لهوا؟
إن أَمُتْ فامْضُوا بجثماني
يزيد: إلى أينَ؟
أبو أيوب: إلى الأرضِ الرضيَّةْ
يزيد: أ إلى دارِكَ؟
أبو أيوب: لا، داري قصيّةْ
يزيد: أ إلى جِلِّقَ؟
أبو أيوب: لا، وجنّبْني البَِلادَ العربيّةْ
هي دارُ العاشقينَ العيشَ
لا مَدْفَنُ عُشّاقِ المنيّةْ
يزيد: فإلى أين إذن نمضي؟
أبو أيوب: إلى قُسْطَنْطِنيَّةْ
يزيد: أعفِني من باطلٍ
ناجَيْتَني في أمرِه أسْوَأَ نجوى
أعفِني
لستُ الذي يشهدُ، أو يأتي الدنيَّةْ
أَوْصِ غيري
أنا لا أرضى بغدر
وسأُوصي أن يخطُّوا في ثرى جلِّق قبري
يا ابنَ عباسٍ، أبو أيّوب يهرفْ
فهو يُوصيني وَصاةً لا تشرِّفْ
ابن عباس: أنت لا تدرك مرماهُ
ومن يُدركْهُ يَعْرِفْ
يزيد: هات، عرّفني
ابن عباس: أبو أيوب ماضٍ في الجهادْ
يزيد: أَوَ بعدَ الموتِ؟
بعدَ الموتِ
من غير ارتدادْ
درعُه الأكفانُ
والنعشُ الجوادْ
وسيغدو قبرهُ حصناً
على كل حصون الروم يُشْرِفْ
فإذا ارتدّ عن الساح جبانْ
أبصر القبرَ فعادْ
صاعداً في كلّ طوْدٍ
هابطاً في كلّ وادْ
مدركاً ثأرَ أبي أيّوبَ
مشبوبَ الحميَّةْ
أبو أيوب: يا ابن عباسٍ
أبو أيوبَ لا يطلبُ ثأرا
لا يعادي أمةَ القيصر
أو أحفادَ كسرى
بل يمدُّ الجسدَ الفاني للآتين جسرا
إن بدا اليومَ ضريحي لبلادٍ قد فتحناها النهايَةْ
فغداً يغدو البدايةْ
منه تمضي راية الفتح إلى أشرف غايةْ
يزيد: أيَّ فتح يا أبا أيّوب تعني؟
أيّ رايَةْ؟
أبو أيوب: نَشْرَ نورِ اللهِ
خلف السور أو خلف المضيقْ
فإذا الخصمُ الذي يكرهُ ما نَهوْى صديقْ
وإذا الأعداءُ إخوانٌ وأعوان لنا
في كلّ ضيقْ
يحملون الوحيَ للحُمْر وللشقر هدايَةْ
يزيد: أتظنُّ الرومَ يوماً مهتدين؟
أبو أيوب: إن هَدَيْنا يهتدوا
يزيد: إنه ظنٌ
وما جَدْوى الظنون؟
أبو أيوب: هَبْه ظنّاً أو سراباً
فعلينا جعلُه عينَ اليقينْ
يزيد: كيف يغدو الظنُّ حقّاً؟
ويفيض البَرْق وَدْقا
ومتى يصبحُ هذا الأمَلُ المَرْجُوِّ صدقا؟
أبو أيوب: حين تحويهِ قلوبُ الصادقينْ
ويكون الهدفُ الأول للغزو انتصار المخلصين وبذا
يُمسي أميرَ الدينِ والدنيا أميرُ المؤمنينْ
يزيد: أو ما للفتح حدٌّ
من مكانٍ أو زمانْ؟
أبو أيوب: حدُّه أن يسمع المشرق والمغربُ ترجيعَ الأذانْ
أن تُظِلَّ الأرضَ كلَّ الأرض راياتُ الأمانْ
حينَ ذاكْ
يترك الناسُ العِراكْ
وترى السيفَ سواراً
وسهام الموت أعوادَ أراك
يزيد: ربّما طال بما تأملُ يا شيخ الأمَدْ
أبو أيوب: أنا لا آملُ
بل أنقل وحياً لا يُرَدّ
إن تهاوى والدٌ في ساحةٍ هبَّ الولدْ
فَلْيَطُلْ
قد فُرِضَ الفَتْحُ على أُمَّتِنا
حتى الأَبَدْ
إننا إن ننصرِ اللهَ انتصَرْنا
يزيد: وإذا لم ننصر اللهَ؟
أبو أيوب: انحسرنا واندثرنا
كلُّنا في قبضةِ الله رهينْ
يزيد: أولا يُرْعبُك المَصْرَعُ قبل الفوزِ بالنصرِ المُبين
أبو أيوب: لا
فإن أَقْضِ في الجنّةُ من بعد الشهادة
أو أَفُزْ بالفتح
فالفتح إخاءُ
لا سيادَةْ
فيه أجني مع مَنْ َأَهْدَيْتُ إيماني
أماناً وسعادَةْ
أ غريبٌ أن يُرَى قبريَ جسراً
لعبور الزاحفين؟
أو مزاراً
يُلْهمُ الأجيالَ حُبَّ الموت
حيناً بعد حين؟
ابن عمر: لا
وقد يغدو مناراً لسفينِ الفاتحين
يزيد: سوفَ يغدو ما تظنَّانِ
أبو أيوب: إذنْ حقّقْ وَصَاتي
واطَّرِح تحت خُطا الماضين للمجد رُفاتي
يزيد: (مشيراً إلى ابن عباس وابن عمر) كيف أفتي؟
وابن عبّاس هنا وابن عمرْ
أفتياني في وَصاة الشيخِ
ابن عباس: لم يوصِ بشرّ
ابن عمر: بل بهديٍ أبديٍّ
وبخيرٍ مُستمرّ
ابن عباس: أعطِه ما شاءَ
يزيد: أُعْطيه و في القلب التياعْ
كالذي يُلقي رضيعاً من بنيهِ
بين أنيابِ السباعْ
أبو أيّوب: اَلْقِني وارجعْ
فإني لن أُراعْ
يزيد: لك ما شئت
أبو أيوب: إذن وجّهْ إلى الغرب الأعِنَّةْ
يزيد: لك ما شئت
نَعَمْ من غير منّةْ
أبو أيوب: (وهو يعود إلى مضجعه)
فدعوني أسلم النفس إلى الله ونفسي مطمئنة.
ابن عمر: (بعدما رقدَ أبو أيوب):
ما الذي يكفلُ ألاَّ ينبشَ الرومُ الضريحْ؟
كي يُهينوا الجسدَ الطاهرَ
والرأسَ الجريحْ
ضاحياً تلفَحُهُ رَمْضاءُ
أو تَذْروهُ في الآفاق ريحْ
يزيد: لأبي أيوبَ ما شاءَ
فَطَمْئِنْهُ
ابن عباس: (يهزُّ رأس أبي أيوب وينظر في عينيه) كأنّ الشيخَ ماتْ
ابن عمر: (وهو يتفحص الجسد المسجّى) مات، لكنْ بعث النخوةَ في الأرض المَوَاتْ
مات، والنصرُ على عينيه وضّاحُ السماتْ
يزيد: جهِّزِ الشيخ ابنَ عبّاسٍ
جهازَ الشهداءْ
وجهاز الأمراءْ
فهو مبعوثُ الهدى العُلْويّ
قد سافَرَ يمحو الترَّهاتْ
ينشرُ الأنوارَ في الأسفار
يجتاحُ الجهاتْ
ابن عمر: والرسولُ الحاملُ الناقلُ أضواءَ السماء
والسفرُ الميّتُ الحيُّ
إذا عزَّ لدينا السُّفراءْ
يزيد: (وهو يلثم رأس أبي أيوب): يا أبا أيّوبَ إنْ ترحلْ عن الدنيا خفيفاً
فلقد حَمَّلْتَنا عِبئاً مدى الدهرِ
ثقيلاً ومُخيفاً
أترانا نعشقُ الزحفَ الذي تعشقُ؟
أم نَخْشى الحُتُوفا؟
ابن عباس: مالنا بُدٍّ من العشقِ إذا اخترنا البقاءْ
ابن عمر: عشقُه فَرْضُ
وما في الفرض رفضٌ
أو حوار وانتقاء
فليكنْ قبرُ أبي أيوب في تاريخنا الطودَ المُنيفا
ولنسِرْ منه إلى أقصى الميادين ألوفا
نحمل الراية للغايةِ حملَ الأوفياءْ | |
|