:kh6: :kh5:
القديسة
تأليف : حامد الزبيدي
مسرحية : ذات فصل واحد
شخوص المسرحية : القديسة ، المقامر ، التابع ، الأعمى
المنظر : معبد كبير في الأعلى ، خلفه سلسلة جبلية ، وعلى جانبيه امتداد أشجار مملوءة بأعشاش الطيور ، زقزقة وصداح وهديل ، يشد القديسة الواقفة أمام باب المعبد المفتوح على مصرعية ، يعلو صوتها من بين تلك الأصوات .
القديسة : الملائكة تهش حيوانات السماء ، تخور ، تزئر ..تمشي بلا اتجاه ، مشتتة ، تجمعها الريح ..تتقادح ..تصب موارج موحلة بالسواد (انفجارات كالبراكين ..سيول حمراء فوق الجبال ) وأنا ابتهل بأناشيد الانكسارات (يخرج دخان اسود من نوافذ المعبد) وامتلئ كالاغادير بروئ الفيض ..اخدر عطش الروح المشلولة بالضعف .. ترتعد الأرض الحبلى ..تصفر خوفا من أقدام الوحوش الآتية من بعيد ..تتساقط أ أحلامي(دوي انفجارات , تسقط بعض الطيور من أعشاشها ميتة) كوريقات القداح
الذابلة ..الملقاة في الطرقات ..تكنسها الريح –كما تكنسني ..أه من بعل مأفون ..يسكن في رحم اللحد . يوقد كانون الغيب ..وينقش في مسلته الطينية
اسطورة الخلود ..وتصدح (سافو1) (اعطني خوذة جنديا وخذ مني ألف اديب2) أغدقها (ايو قراطيس)2 بسخاء مفرط , أكرمها عشرة آلاف ..نهبت نجمة الجنوب , احرقت سواحلها الممتدة الى شريان القلب ..سليلة المجد ، تنام في وحل الدماء بين الفئران والضربان ..هل انا وجدان فارغ ؟ .. ام ماذا ؟ افصح أيها الزمن البليد .. لم تبيع أحجار الروح بأثمان بخسة في دار الندوة ؟ … (باحتقار مر) يا ساقي البن أملئ فنجان القهوة …وزعها وزعها عليهم ..لأجل ان يتأرقوا ، او يجففوا دموع النكبات ويمسحوا رؤوسهم من وسخ الألوان .. وزعها دون استثناء ..عسى ان يطردوا شبح الخوف ويجدوا لغة غير الشجب والاستنكار (إلى النظارة) أيها السادة ..ان ما يزعجني من تلك الثيران المخصية ، جعجعتها المدوية ..والمجرشة ، تجرش بي ..ماتت الأسماك والأطفال والطيور ..لاشيء في المعبد سوى الموت والدمار ..وانا في حيرة من أمري ..إنني لا ارمم ..إنما اكشف الانهيار الذي يتصدع في المعبد واصرخ بملئ فمي ولكن من يسمع ؟ من يفهم ذلك الصراخ …؟
المقامر: (يهبط هو وتابعه من الأعلى ) انا . انا يامليكتي .. قد غامرت بحياتي من اجل ان اصل إليك .
القديسة: هل عدت من جديد أيها الشقي ؟ (موسيقى تشبه ضربات القلب ، وتخللها صوت عاصف , صدى رشقات دماء في الشرايين ) .
المقامر : ( يقترب منها بدهاء) ان مولاتي تستحق اكثر من مغامرة ومغامرة .
القديسة: إنني لا أحبذ معونة الفجار .
المقامر: (بمكر) سمعت صراخا يشبه صراخك وتأوهات ، تشبه تأوهاتك أيها القديسة .
القديسة: اغرب عن وجهي .. فأنا لست بغيا.
المقامر: (يحني قامته) حاشاك من البغاء ..سيدتي .
القديسة: (تبتعد عنه) اجئت الى هذا العالم من اجل ان ارحل ؟ ام هو الذي يرحل …وابقى أنا كإله لا يموت ولا يفنى ، ينير الظلام ….ويخلق عوالم غريبة ( يحاول التابع ان يقترب منها ) قف …ولا تقترب مني أيها الموبوء ، ولا تنبس بأي شيء .
التابع: ليس من العدل ان تتخذي وسيلة الاحتقار معي ..فانا .
القديسة: (تقاطعه) ذيل رفيع وتابع قذر ..أتيت بالنار والعار .
التابع: أنت أساس ارتباك هذا العالم ..لانك لا تعرفين ما تريدين يا امي …
القديسة : اشك بهذا الجسد قد مارس . . . وأتيت أيها الفاسد .
التابع: مهما قلت عني .. فأنت .
القديسة : (تقاطعه) إياك ان تنطقها .
التابع: ( يقطعها وهو يجاهد كظم غيضه) دع ثورة الغضب ..وأنصتي لي كما كنتي . . أتوسل إليك ..اني لم افعل ما يريبك ..أطفأ الغبار الشموع والعاصفة حطمت القناديل واستفحل الطاعون .. لم أتحمل ما لاطاقة لي به .. لذا هربت واستنجدت به .
القديسة : لو ان كابوسا جثم على صدري وغزر رماح النار في رأسي لكان ارحم مما اسمع من هذر (تنادي) انتم يامن هناك ..انتم يامن هناك .
المقامر: ( يقترب منها) الأجدر بك ان تعي …لا أحد يسمعك .. انهم نيام ولن يصحوا سيدتي … هلمي نذهب إلى هناك .
القديسة : أنت مجنون بلا شك .
المقامر : ان الحقيقة لا تمسها مخالب الجنون …الحقيقة بحاجة إلى إنسان ….تعيش معه ..كما هو الآخر لايمكن ان يعيش من دونها انهما مرتبطان ، ان مات أحدهما مات الآخر .
القديسة : بحق الجحيم ماذا تريد مني ؟
المقامر: ان تكوني لي …وها انا افتح أبواب الجنان إليك فادخلي راضية مرضية أيتها القديسة .
القديسة : أنت اصغر مما تطلب .
المقامر: بل انا الجبروت والكبرياء الذي لا يقهر ( يؤدي رقصة توحي بالاريتوكية وهي تتهرب منه ، يطاردها لم يفلح بإيقاعها يتحول إلى وحش كاسر يؤدي رقصة مفزعة دوي انفجارات تلتهب النيران في المعبد من خلال حركات جسده المعبرة وإيماءاته المخيفة ) .
القديسة : (تهرع كالمجنونة إلى الداخل تؤدي رقصات إيحائية تدافع عن المعبد تتلقى ضربات موجعة وهو يحاول الدخول إلى المعبد ) احترق المعبد ( يستمر برقصات مجنونة ) تخرج منهارة) أوقف النار ..(تلاحقه) أوقف الدمار ، كفاك تخريبا ايها المتهور .
المقامر : هل آمنت من أنا ؟
القديسة يا للجنون تحطم المعبد ..أوقف الزلزال ( تلتفت إليه ) اغلق أبواب الجحيم عن المعبد .
المقامر : (ينظر إليها باستصغار ) أرابت من أنا ؟ (الى التابع الذي يقف كالصنم) , هيا لنتفقد المعبد (يدخلان المعبد) .
القديسة : (لوحدها) تمشي النار فوق المياه .. وفوق الرمال .. تطير في الهواء ..تمطرها السماء والبوم في وكره ، ينتظر الصيد في تلك الأبواب الموصدة بالظلام (تسحب ظفيرتها بقوة) انت سمة (تصمت) اني لا احتاجك بعد (تقذفها في الهواء ) قد مزق أحشائي هاون السعير بدقات مؤلمة ..اثنى الروح والجسد ولكن مهما قسى سابقى نجمة فوق أجنحة الليل .. تعصفني الريح .. تحرقني الشمس …أتتبعثر رمادا ابيض يموت النور وتموت الألوان وتفقأ عيون الزمن في بركته الخالية ..من هنالك ..سأولد والنور في وجهي ..سأعود والأمل في رحمي ..اعجن طحين القلب وأوزعه خبزا لكل الجياع .
الأعمى : ( يخرج من الباب ..يمشي بغير هدى ) فقأت عيناي .. لم ار شيء .. أين أنا ؟
القديسة : قريبا مني يا ولدي
الأعمى : ماذا جرى يا أماه ؟ ماذا حدث ؟ أين نحن ؟
القديسة : نحن هنا …مازلنا في المعبد .
الأعمى : حقيقة ما اسمع ؟ مازال المعبد قائم .
القديسة : تموت الدنيا ولا يتهدم المعبد .
الأعمى : واحسرتاه …أخشى لم اره .
القديسة: … بل ستراه . . .يا ولدي – عند صياح الديكه وقت الفجر .
الأعمى : (يتحسس وجهه) أماه … هل أرى وجهك في يوم ما ؟
القديسة : اجل ستراه .
الأعمى : أنا لفي شك من ذلك .
القديسة : دع الشك وتمسك باليقين .
الأعمى : إنها مغالطة يا أماه …لم اقدر من مخادعة النفس .
القديسة : لا تكن لليأس كالهشيم للنار. جاهد فأنت ولدت من رحم صوان .
الأعمى : الأجواء ملبدة والضباب في سماء المصيدة والخنازير ترفس الهواء في الحقول …والذيول في كل مكان …وأنا ازحف في بيادر الرماد ومخالب الطير مزقت جسدي (يتركها) يا أيها الرابض هناك ..ألا يمكن ان تتغير إلى شيء آخر ؟ (يختفي بين الأشجار ) .
القديسة : (بحزن) كثرت المراهنات …والأصدقاء ما بهم من نفع يرتجى فكلهم كذب وانا غارقة في حضيض الروح , أرهقني الليل الطويل .. ما أحوجني للصبر , كي أخيط جراح النفس بخيط مملوء بالشذر .
المقامر: (يخرج من باب المعبد) ما اقساك .. لم لم تأت ؟
القديسة : ابتعد عني . . لن تنال ما توهمك به النفس او تبغي .
المقامر : (يظهر لها قلائد ذهبية) انظري هنا ..ودع القلائد تتمتع بجمال عينيك ..إنها لا تليق بجيد غير جيدك .
القديسة : (من دون اكتراث) شهوات الذهب العارمة .. لاتحدث خرقا في قلب نازف ونفس تبحث عن مخرجا لها .
المقامر : هاك
القديسة : (تتراجع) ليمت الغراب جزعا مهما قامر سيترك مسروقاته ويرجع إلى عشه مكسور الجناح .
المقامر : ما اهنأ تلك الطيور انها لا تدرك مثلنا كيف يتألم الآخرون .
القديسة : انت تدرك الألم ؟
المقامر : لو لم أدركه لما كنت ذلك الضياء المتألق في العلياء .
القديسة : لا تغتر ..ستخر يوما كالحجر المحترق في السماء .
المقامر : لا اكترث لتلك القيم طالما اني افنى .
القديسة : ارث الهزائم يجري بدمائك .
المقامر : لطالما فزت بك .. كل النهايات عندي سواء .
القديسة : ستجدني باردة ولا حياة في جسدي .
المقامر : هبطت من عليائي ووقفت في محرابك أيتها اللات ..دعيني ارسم خارطة الفحولة على جدران المعبد (يلتصق بها ) .
القديسة : (تهرب منه) أين انتم …اين انتم ..هل متم يا أبنائي ؟
المقامر : (يلاحقها) هلمي يا سيدتي , لا أحد يسمع .. لا أحد يرى ..هيا قد دقت أجراس الارتواء (يمسكها من يدها ثم يخلع الخمار وينظر في وجها ) .
القديسة : دع معصمي .. ليس من الرجولة ان تأخذ المرأة اغتصابا ..احترم قداسة أنوثتي .
المقامر: من المؤلم انك تتحدثين بلغة ليس لها معنى بقواميسي (يسحبها نحوه بقوة ، يطوقها بين يديه) .
القديسة: (تحاول الإفلات منه) اتركني .. ابتعد عني ..إنني أتتمزق ..احتر (تصمت ينظر في وجهها بصمت واستغراب ) .
الأعمى: (يظهر من بين الأشجار) لبيك يا أماه …أماه هل من مكروه يعتريك . . ويسلب النوم من عينيك ؟ ( يجسد حركات توحي بأنه يمشي فوق جسدها ثم يتركها ويتجه صوب المعبد , تنهار , تجثو على ركبتيها ، تتمدد على الأرض، يجفل الأعمى يقترب من رأسها بتوجس) أماه …أماه هل أنت بخير .
إظلام