مسرحية القلعة المظلمة
مسرح الوهم *
تأليف حامد الزبيدي
مسرحية ذات فصل واحد
شخوص المسرحية : الرجل المسن ، المرأة ، الرجل1 ،المراة2 ، الرجل3
المنظر : أطلال قلعة كبيرة في العمق البعيد ، باب كبير ، يتوسط أبواب غرف كثيرة ، قسم منها مهشمة و الأخرى آيلة للسقوط ، نوافذ موزعة فوق الأبواب ، قسم فيها أعشاش للبوم و القسم الأخر للخفافيش ، كوم طابوق وسط الباحة ، إنارة زرقاء خافتة ، تسمح للنظارة ، تميز ما يجري على المسرح ، إنارة حمراء باهتة ، تبرز من خلال النوافذ و الأبواب ، نعيق بوم يتخلل موسيقى رعب تشبه الصراخ ، صوت غليان من بعيد ، صرير باب ينفتح إلى الداخل ببطء ، يدلف رجل إلى الباحة بتوجس ، يرنو إلى المكان يزيل بعض من خصلات شعر رأسه الطويل الأبيض إلى الخلف ، يتحسس الأرض بالعصا التي يتوكأ عليها ، ثم يقف خلف الطابوق ، ينظر إلى بومة كانت تنظر إليه ، وميض خاطف من الأعلى ، رعد شديد .
الرجل : نعم المكان الذي لا يليق إلا بمطحون مثلي .. احتفظ ببقائي فيه من أولئك الأوغاد الذين يزهقون أرواح الأبرياء بالباطل .
نعم المكان الذي لا تراه الشمس .. انه مثلي إلى حد ما .. تلك الغانية تأتي و ترحل و أنا لا اعلم بها ، لا افهم ، و لا اسلم من الاذى .. كل أيامي شتاء ، ريح باردة و غيوم بلا مطر .. يلوك جسدي الواهن مرض الخوف ، ارتجف من الموت الذي ينتظرني في كل مكان ..
و المترفون الجهلة الأغبياء ، يدوسون على جسدي ، يلهون و يضحكون ، لم ادفع الثمن ؟
لم مصيري مجهول ؟ عمري مجهول ؟ و الفجر مجهول ؟ لم إني مطارد في كل بقاع الأرض ؟
مسور بالجحيم .. أينما أولي وجهي ، السنة جهنم تناديني .. و أنا افر منها و من ذلك الركب المتمرد العقيم ، كمجنون .. نمى في ذهني ، و في روحي طائر الخفاش ، كبر في أعماقي ، احتواني ، أخذني بعيدا من تلك القسوة و ذلك الاضطهاد إلى الأمكنة المظلمة . ( برق خاطف ، رعد ) لم تمطر السماء حتى لو بحت الأصوات ( تعلو أصوات الحشرات الليلية ، يصيخ السمع إليها بفتور و هو يتأمل حركة ثعبان كبير بين الطابوق . ينطق صوت رفيع مبهم فجأة ، صوت مفزع و مخيف ، ينبعث من جميع الأبواب و النوافذ و الحيطان ، انعكاس الصدى المتموج يملأ المكان ، و على الرغم من التركيز الذي يبديه ، لم يستطع تمييز ذلك الصوت المخيف إن كان انسيا أم شيئا أخر )
الصوت : ( كالمواء ) م .ماو .. ن ( ينتهي الصدى و يأخذ الصوت بالفهم انه صوت امرأة عجوز ) من سمح لك بالدخول ؟ ( يلتفت إلى جهة الصوت ) هل أتيت لتقلق راحتنا ؟أم أتيت لتفسد علينا المقام ( لا يرد كتفي بالبحث عنها بعينيه الذابلتين ، تتحول إلى الجهة الأخرى ) أيها الصموت ماذا تريد ؟
الرجل :ـ أريد أن اعرف ما هي جريمتي ؟
خمسون عاما و أن أعيش في ظلام بلا نور أو ضياء ، خمسون عاما و أنا مسافر ، بلا بيت ياويني .. انتقل بين الأطلال و البيوت المهجورة ، أعيش حياة طائر خفاش في الغرف المظلمة و في ممراتها المغلقة في الكهوف و السراديب ، خشية من كل شيء .
المراة1 :ـ ( من الجهة الأخرى ) و هل عرفت السر ؟
الرجل :ـ ( يلتفت نحو الصوت ثم يمشي باتجاهه ) مازلت ابحث عنه .. قيل انه يولد من رحم الظلام.
المراة1 :ـ ( تبرز العجوز بوجهها المخيف و جسدها الجميل الرشيق من الجهة الأخرى ) حسبتك تبحث عني ( تضحك بألم ) من المؤكد انك تبحث عني ( بأنوثة ) أليس كذلك ؟
الرجل :ـ ( من دون اكتراث ) كلا . لست أنت المقصودة .
المراة1 :ـ ( بحيرة ) عمن تبحث ؟
الرجل :ـ إن الذي ابحث عنه ، لا يعنيك .. هيا اغربي عن وجهي .. لا تفسدي علي وحدتي .
المراة1 :ـ ( تشعر باهانة ) اغرب عنك ؟ افسد ؟ .... أنا افسد عليك وحدتك .. أليس أنت الذي أتيت بقدميك ؟
( تمشي نحوه بإغراء ) وأيقظتني من النوم .. و سلبت مني سلطان الراحة و الأمان .
الرجل :ـ انك تذكين ألخلوه و تحرقين الغثاء الاحوى .. تحولين الكائن الماثل أمامك إلى رماد تذروه الرياح . ابتعدي عني .. ابتعدي ( تراجع إلى الخلف ) و لا تجعلي اللحظة التي أعيشها جحيما آخر .. امضي .. امضي .
المراة1 :ـ أنت و أنا مفروضان على هذا العالم دون اختيار منا .. ليس من السهل أن نفترق .
الرجل :ـ من المخجل أن تبقي . ( تقاطعه ، و هي ترتقي فوق الطابوق ثائرة ) .
المراة1 :ـ كف عني الكلمات المهينة و الجارحة .. أنا هنا .. و أنت هناك .. ليس لك الحق بالتجاوز على كرامتي و كبريائي ( تصمت ، ثم تغير لهجتها بأكثر ود و حنان ) تعال تعال أيها الطفل العنيد .. أيها المشاكس .. تعال و اسمع مني ما تريد ( تهدهده ) .. هيا .. أحبو إلي . نم في أحضاني .. هيا أحبو لي كي أقص عليك ماساتك .. و أدوس على مفاتيح جهلك من اجل أن ترى النور . و لو لمرة واحدة .. تعال .. ثق بعدها مهما ناديت لن أعود إليك .
الرجل :ـ ( يقترب منها مسلوبا ) هات ما عندك من اجل الرحيل .
المراة1 :ـ اعلم يا حبيبي .. إن اللعبة ، بدأت في الخمسين .. زرعته المؤسسة في قرية منسية .
الرجل1 :ـ ( يمد عنقه من النافذة يكمل ) غذته .. ربته .. حمته ( يظهر الرجلان و امراة2 ، يخرجون من أبواب متفرقة ) .
الثلاثة :ـ أعدته رجلا متوحشا .. دون علم الساسة الجبارين .
المراة1 :ـ وضعت فيه خطتها المحكمة .. صبت فيه مستقبلها .
الرجل1 :ـ و عندما دقت الطبول في المعابد .. بدا التنفيذ .
المراة1 :ـ ( تنشد بحزن ) ذبح روح القوم .
الثلاثة :ـ ( يؤدون رقصة إيمائية ، يصاحبهم صراخ نسوة من بعيد ) القوم .. القوم .. القوم .. ذبحوا القومية .. ( الرجل المسن يشترك معهم ) .
المراة1 :ـ ذبح الإنسان ( موسيقى ، خليط من دق الطبول و النواقيس ، و المآذن ) .
المجموعة :ـ الإنسان .. الإنسان ذبح الأصول السماوية .
الرجل1 :ـ ( يرقص و ينشد ) ذبح .. ذبح .. المعلم .
المجموعة :ـ المعلم .. المعلم .. ذبح المعلم .. بالحرب و السلم (يجسدون حملة الشهادات العالية أذلة ).
الرجل1 :ـ ذبح الجندي على الساتر .
المجموعة :ـ الجندي .. الجندي .. ذبح الوطن الغالي ..
المراة1 :ـ داس على الشرف الرفيع .
المجموعة :ـ الشرف الرفيع .. الشرف الرفيع .. طار إلى السماء .. طار إلى السماء .
الرجل :ـ ( يرفع العصا و يجحظ عينيه ) و تحول القوم الأباة إلى قطيع رعاع ( تتصاعد النيران في غرف متفرقة ، الرجلان و المرأة ، يخرجون من أبواب متفرقة .. يحملون على أكتافهم مسروقاتهم ثم يدخلون إلى غرف أخرى ) .
الثلاثة :ـ (ينشدون )و يحرقون كل مابناه الاباء .
المراة1 :ـ ابتلع الظلام الإرث المضيء ( إظلام دامس على المسرح ) .
المجموعة :ـ ( ينشدون بحزن ) مات .. مات .. مات الشعر و انتحر الغناء .. ( أنهم يتحركون ، كالأشباح ) .
الرجل :ـ ( ينتفض ) جفت الابتسامات في وجوه الأطفال المضيئة .
الرجل1 :ـ ( يكمل ) ذوي الرؤوس المقطعة ....
المراة1 :ـ ( تكمل بالنبرة نفسها ) الملقاة في الطرقات .
الجميع :ـ ( يرقصون و ينشدون ) مات الإنسان .. مات الوطن .. مات العالم .. ماتت الحياة .. نحن نعيش بين الأموات .
المراة1 :ـ ( تنفرد بالغناء ) هيا لنجلب الكفن .. و ندفن الوطن ( صراخ نسوة ) هيا .. هيا ..( تصرخ بجنون ) هيا .
الرجل :ـ ( يجهش ثم يبكي بمرارة و يمضي من مكانه يجلس على الطابوق ) راح .. راح و لن يعود بهذه القذارة .
المراة1 :ـ الأمم حائرة .
الرجل :ـ بالتأكيد لأنها تجهل الخطة المحكمة .
المجموعة :ـ انه صادق .. انه صادق .. انه محق .
المرأة :ـ ( تمسك الرجل من كتفيه ) لم ينم الرئيس فزعا من كابوس الرعب .
الرجل :ـ ( بارتياب ) لماذا ؟
المراة1 :ـ و لم يهنأ بكرسيه الضائع .
الرجل :ـ ( كمن يفهم شيء ) آه ( يكمل ) و يتوجس الإرهاب حتى في مكتبه .
المجموعة :ـ انه صادق .. انه صادق .. انه محق .
الرجل :ـ و يمسح باب الجبروت الملطخ بالعار من ضربات موجعة بالنار .
المراة1 :ـ ويلتقي بالجند . ( الثلاثة يقتربون من النافذة ، الرجل1 يجسد شخصية الرئيس ) و يملأ عليهم آيات الذل و الانكسار .
الرجل1 :ـ الهيبة .. الهيبة .. ياجندنا البواسل . ( أصوات أبواق ، تنذر بالحرب ) .
المراة1 :ـ و تقدمت الجيوش من كل فج عميق .. و الجلاد يلعب النرد ..
( الثلاثة احدهم يجسد الجلاد و الأخر يلعب معه ، المراة2 تضع صينية على رأسها مليئة بكؤوس شراب ملون ، و ترقص رقصة شرقية تضع الصينية على المائدة ، الجلاد الماجن يقبل شعرها ) و يضحك ضحكته المعهودة بالطغيان ، تحاصره القوات ( دوي انفجارات ) التي أدت القسم هناك .
الثلاثة :ـ ( يؤدون القسم ) قسما بالعلم و المعرفة .. قسما بالقوة .. لن نعود إلى ارض الوطن .. إلا و معنا رأسه ..
المراة1 :ـ في تلك اللحظة الحاسمة ( احد الثلاثة يجسد شخصية الجلاد . و الآخران يلتقفانه بسرعة ) يذوب في الأرض أنهم أسرع من جنة (سليمان ) في إخفاءه ، نقلوه إلى جزيرة نائية .. احتدم الرئيس و غضب .
الرجل1 :ـ ( يجسد شخصية الرئيس ) يا ربات الانتقام أملان قلبي سخطا عليه .. يا أيها الجحيم افتح أبوابك .
المراة1 :ـ أسرعت المؤسسة إليه ( الثلاثة بالقرب من الرجل1 اثنان يهمسان و المرأة تقف خلفه ) أسرت غضبه و قيدت انفجاره .
المراة2 :ـ يامولاي .. يا سيد الكوكب . إن الذي أرقك وبإرهابه أرعبك .. كان من صنع أيدينا انتهت اللعبة . و رحل اللاعب .
الرجل :ـ لا .. ( يقترب من النافذة ) بل مات اللاعب منذ السابع و التسعين بعد التسعمائة و الألف و بدت اللعبة على الجميع ، لعبة الغش و الخداع و التزوير ، ( الرجل1 يضحك بقوة ، يشاركه الجميع الضحك تتصاعد ضحكات الحشرات الليلية تختفي المجموعة و يبقى الرجل وحيدا في الظلام يقترب من النظارة ) في اللحظة التي نكون فيها على صواب .. سينتهي اللعب و تنتهي جميع أعذار الظلام و يظهر الضياء .
ـ إظلام ـ
انتهت
مسرح الوهم *
لقد آن الأوان ليأخذ طريقه بصلابة ، انه تجربة جديدة أو لون جديد في فن كتابة المسرحية حيث اعتمدت على أوهامي في طرح القضية بغموض شديد و إبهام كبير هواجس تتفجر في مشاعري اللاواعية و بمضمون مضيء .
ما يهمني في المادة المطروحة هو تشكيل نوازعي و هواجسي التي تكون في بعض الأحيان عصية على الفهم و التفسير أتعامل معها كما يتعامل الشاعر مع قصيدته .
إنني مؤمن بان اسكيلوس كتب عن الآلهة و شكسبير كتب عن القادة و الملوك و ابسن كتب عن الطبقة المتوسطة و أنا كتبت عن شخصيات وهمية لا وجود لها إلا في ذهني .
إن الوهم الذي أعيشه هو أكثر صدقا و نقاءا من الحقيقة انه الديمومة و البقاء .
إنني لا أريد تقليد الذين سبقوني في معالجة الحياة كما هي مفروضة علي بل كما أراها أنا ، ليس لها وجود إنما هي انعكاس الوجود آت بها من عوالم لامرئية أتحاشى اختلاق الوقائع و الشخوص الواقعية و اهتم بشكل دقيق في اللحظة التي أغوص فيها كي اخرج من الوهم الذي أنا فيه .
حـــامد الزبـيدي
:kh6: