نــاديـــتُ غـــــزةَ "
|
ناديـتُ غَـزَّةَ والظـلامُ يلفُّهَـا والموتُ ينهشُ لحمَهـا ويمـزِّقُ
|
والغـدرُ يقذفُهـا بكـلِّ ضغينـةٍ سوداءَ تنخرُ في الصدورِ وتحْرِقُ
|
ناديتُها والريحُ تقصـفُ زهرَهـا وغصونُها تحتَ العواصفِ تُسْحَقُ
|
ناديتُهَـا والجـرحُ ينـزفُ عـزةً بـدمٍ يسيـلُ وعبـرةٍ تترقـرقُ
|
ناديتُها والحزنُ يغشَـى صفحَتِـي وجوانحِي بلظى الأسَـى تتحَـرَّقُ
|
ناديتُهـا والوجـدُ يَمْـلأُ خافقِـي ودمِـي بحـبِّ حُمَاتِهـا يَتَدَفَّـقُ
|
فأجابنِي صوتُ القنابـلِ صارخًـا كادَ الأسى بربـوعِ غَـزَّةَ يَنْطِـقُ
|
أولمْ ترَ الأشلاءَ كيـفَ تبعثـرتْ ورمالَنَـا بـدمِ البواسـلِ تَغْـرَقُ
|
أولمْ ترَ الأفـراحَ كيـفَ تبدلَّـتْ حَزَنًـا وشمـلَ الآمنيـنَ يُفَـرَّقُ
|
ناديْتَنِـي لتـرَى الحيـاةَ هنيئـةً والفجرَ يَبْسُمُ في رُبَايَ ويُشْـرِقُ
|
لترَى عيونَ الزهرِ كيفَ تبسَّمَـتْ وترى غصونِيَ فِي حماسٍ تُورِقُ
|
فرأيتنِي والدمعُ يغسـلُ وجنتِـي والوجه يعـروهُ القتـامُ ويُرْهِـقُ
|
ورأيتنِـي أبكِـي لفقْـدِ أحبـتِـي ورأيتَ قلبـيَ بالأسـى يَتشقَّـقُ
|
ورأيتَ غربانَ اليهودِ وقدْ طغـتْ وسمعتَها بسمـاءِ غـزَّةَ تنْعَـقُ
|
ورأيتَ أذيالَ القـرودِ تراقصـت ْ وكبيرهـم للمعتديـنَ يُصَـفِّـقُ
|
ورأيتَ أسرابَ البعوضِ تطاولـتْ تقتاتُ من دمِنَا العزيـزِ وتلْعَـقُ
|
ورأيتَ أجنحـةَ الظـلامِ تهدلـتْ والكونَ يغشاهُ السكونُ المطبـقُ
|
ناديتُ يعربَ أينَ عزُّ بنودِكـمْ ؟! أولمْ يعدْ علـمُ الحميـةِ يَخْفِـقُ
|
أينَ المروءةُ والشهامةُ والإبَـا؟! أينَ الجبينُ الشامـخُ المتألـقُ؟!
|
بلْ أينَ دينُكِ ؟! أينَ عِزُّ محمدٍ ؟! أينَ " البراءةُ " والكتابُ المُشْرِقُ؟!
|
إنِّـي رأيـتُ الحاكميـنَ أذلــةً وبأرضِنَا سَادَ الوضيـعُ الأحمـقُ
|
حاشَـا هَنِيَّـةَ والذيـنَ تـبَّـوَؤُا عَرشَ الكرامةِ كيْ يَسودَ الأَصْدقُ
|
هذَا الذي في وجههِ ألـقُ التُّقَـى وجبينُـه بالعـزِّ دومًـا يُشْـرِقُ
|
كالشمسِ ينشرُ في الربوعِ كرامةً فَتُبِيـدُ ليـلَ الظالميـنَ وتَمْحَـقُ
|
وبأمرِهِ تمضِي الجمـوعُ عزيـزةً وبحبِّـهِ تَحْيَـا القلـوبُ وتَخْفِـقُ
|
والأُسْدُ تزأرُ حولَـهُ فِـي عِـزَّةٍ فتدوسُ أعناقَ الضباعِ وَتَسْحَـقُ
|
هَذِي كتائـبُ عِزِّنَـا قـدْ أقبلـتْ في ركبِهَا يمضِي الإباءُ ويَلْحَـقُ
|
فاستبشرِي يا قـدسُ إنَّ أسودَنَـا بِثَرَى فلسطيـنٍ تهيـمُ وَتَعْشَـقُ
|
تمضِي إلى الهيجاءِ واثقةَ الخُطى وإلى المكـارمِ والفِـدَا لا تُسْبَـقُ
|
لاذتْ بحبـلِ اللهِ واعتصمـتْ بـهِ والحقُّ أَنْجَـى والعقيـدةُ أَوْثَـقُ
|
لا لَنْ يعيدَ الأرضَ سِلْـمٌ زائـفٌ يعـدُو إليـهِ الخائـنُ المتسلِّـقُ
|
يدعونَنَا للسلـمِ أيـنَ سلامُهـمْ ودماءُ أهلِيَ فِي الثَّـرَى تَتَدَفَّـقُ
|
يـا أُمَّتِـي لا تركنِـي لحبَالِهـمْ فالغدرُ أَوْهَـى والخيانـةُ أَخْلَـقُ
|
لا لَنْ يُعِيدَ القـدسَ إلاَّ مصحـفٌ وسواعدٌ ترمي الجِمَارَ وترشُـقُ
|
لا لـنْ يُعِيـدَ الحـقَّ إلا فتـيـةٌ بأكفِّهمْ يزهُـو الحسـامُ ويبـرُقُ
|
ستعودُ يا أقصَـى وتلـكَ عقيـدةٌ ويعـودُ نجمُـكَ ساطعًـا يَتَأَلَّـقُ
|
القصيدة اعلاة للشاعر الفلسطيني الكبير ............. محمد جبران