الفراق هو أن يموت شئ بداخلك وأنت مازلت حيا ...
فالفراق حالة انفصال روح واحدة عن جسدين متآلفين متاحبين .. فيشعر كل جسد بعد هذا الانفصال بأن كل عضو فيه يحن للإتقاء بذالك الجسد الآخر والاندماج فيه والامتزاج به والانصهار في بوتقته ....
في الفراق نعرف جيدا حزنا إسمة الحرمان من شئ كان مصدر سعادة لنا وندرك لغة جديدة إسمها الفقدان لشئ كان يملئ كل الفراغ المحيط بنا .
والفراق حالة خاصة لايدرك أسرارها سوى القلوب الطيبة التي لا تعرف سوى الصدق منهجا لها والبياض لونا لها .
في الفراق نكتشف أن الحياة هي ذاتها لم تتغير لكن شيئا بداخلنا هو الذي تغير وهو الذي أصابه العطب والخلل والكسر فتغيرت معه كل إستجابات مشاعرنا وأحاسيسنا لكل مايحيط بنا من أزمنة و أمكنة وتفاعل مع الأشخاص والأشياء فأصبح كل ماحولنا باهتا ومملا ولايوجد أي حدث يملأ الفراغ الكبير الذي يحيط بنا من كل جانب .
وليس صحيحا أن الفراق دائما انفجار ملئ بالضجيج والصخب فبعض الفراق إرتياح وإنشراح ولاسيما حينما يكون من نحب لا يبادلنا الحب ذاته والشعور ذاته ..
فالفراق هنا فرصة لحفظ كرامة الذات وماء العزة من الاذلال والهوان لمن لا يستحقها فالانسان كبرياء وكرامة وحينما يتنازل عنها بإسم الحب فهو يتنازل عن ماهو أهم من الحب والحبيب .. يخسر ذاته وكبرياءة ... . والفراق في مثل هذة الحالة هو طوق نجاة وأمل جديد لرؤية الأشياء من منظارها الصحيح والموضوعي وفرصة جديدة
للحب من جديد والعثور على الشخص المناسب الذي يهتم بنا ويبادلنا المشاعر ذاتها والاحتياجات ذاتها أو على الأقل فرصة لكي نحيا بهدوء وصمت دون خوف أو حزن
فقلبنا بين أيدينا نملكه نحن وليس بيد شخص آخر يلعب به مرة بأسم الحب ومرة بأسم الغيرة ومرة بأسم الخوف ومرة بأسم الشك . وهنا يجب أن لا نخاف من الفراق أو من الخسارة فالغابات المحروقة تعاود نموها وكل شجرة تمسها يد الشتا لابد وأن تمسها يد الربيع وكل موت يقود بمعنى ما الى حياة أخرى أو تقمص جديد .....
فالحب ابتداء وانتهاء هو عطاء وتضحية وصبر وحنو على الآخر دون انتظار المقابل .
والفراق قد يكون أحيانا فرصة لمعرفة حجم احتياجنا الى الآخر ومدى حاجته هو أيضا الينا ووقفة تأمل مع الذات ولحظة صمت عميقة لمراجعة كل حساباتنا وتصرفاتنا القديمة ومن ثم فلترة عواطفنا لكي نخرج منها كل شولئب الأنانية وترسبات الوهم .
والفراق حالة تأجج لكل الأشواق بداخلنا وصرخة حنين من صوت القلب لكل الأحبة الغائبين والراحلين الذين مضوا بعيدا الى حياة أخرى وعالم آخر .. فرق بيننا وبينهم الموت فرحلوا بأجسادهم وتبقت ذكراهم العطرة كالمسك لا نملك سوى الدعاء والصبر وكلما مر طيفهم قلنا بكل الصدق : " الله يذكرهم بالخير " !! .
والفراق يعلمنا الصمت والتأمل ونفهم معنى أن يكون المرء وحيدا وسط صخب الحياة وضجيج الناس ...
وفي الفراق نكتشف أن حياتنا تسير بإنتظام فيما القلب تسوده الفوضى والاضطراب .
وبعض الفراق دمعة ولوعة وجرح لا ينتهي الا بانتهاء العمر يصبح المرء فيها أسيرا لعباءة الماضي الجميل الحزين ...
وبعض الفراق دمعة سرعان ماتجف سريعا ولوعة محدودة الأثر والتأثير وجرح سهل أن تداوية الأيام بسرعة .. فبعض الجروح يأتي بها الزمن ويذهب بها الزمن أيضا .
والفراق هو في النهاية جزء من نمو الحب وتطوره وحركته الدائمة التي لا تعرف الثبات والاستقرار وهو جزء من كينونة الحياة التي نعيشها وبالتالي يجب أن ننظر اليه أحيانا كشئ واقع وأمر يحدث لكل البشر وفي كل العلاقات وليس شيئا يختص به الفقراء دون الأغنياء ولا المحبون دون الغرباء ....