|
مشهد من المسرحية |
قهوة سادة على روح الوطن...
شرّ البليَّة ما يضحك!
القاهرة - بنوته مصريه
«قهوة سادة على روح الوطن» ليس عرضاً مسرحياً مميزاً للمخرج خالد جلال فحسب، بل هو رثاء شديد المرارة لأحوال مصر والبشر على الرغم من لغته الساخرة.
يعتبر العرض أحدث إبداعات ورشة الارتجال، في مركز الإبداع في دار الأوبرا المصرية. نجح المخرج «المتمرد» خالد جلال كعادته في ضبط إيقاعه، مستعرضاً تدهور الأوضاع الحياتية والثقافية والاجتماعية في المجتمع المصري، ما يستدعي أن نحتسي معا «قهوة سادة»، في إشارة إلى حالة العزاء، على انهيار القيم والمعاني النبيلة والإنسانية في عالمنا، وحلول كل ما هو مشوّه وممسوخ محلها.
مدة العرض 90 دقيقة، يشارك فيه 35 ممثلاً وممثلة يرتدون ملابس الحداد، يرصدون، في مشاهد مضحكة، أزماتنا الحياتية الواحدة تلو الأخرى، وكل ما يتعلق بسحر الماضي الجميل، بدءاً من الفن وزمنه الجميل الذي تبدد برحيل رموزه: سيد درويش، أم كلثوم، سعاد حسني، نجيب الريحاني، عبد الحليم حافظ، سناء جميل، وغيرهم، مروراً بانهيار الأحلام، تفشي الجهل والفتاوى، سطوة المال، سحق الموهوبين، غياب صلة الرحم، تزييف التاريخ، تدمير اللغة على أيدي الشباب «الروش طحن»، ومصطلحاته الغريبة التي باتت جزءاً من اللغة للأسف، وهو ما انتقده العرض بحدة ساخرة، انتهاءً بالفساد الذي ضرب أنحاء الوطن واستشرى في كل مكان.
بوتقة
يقول المخرج خالد جلال، المسؤول عن مركز الإبداع الفني، حول تجربته مع المركز والعرض: «مركز الإبداع الفني هو بمثابة معمل فني يخرج المواهب في فروع الفن المسرحي: الإلقاء، الشعر، الغناء، الرقص، التأليف، الديكور، الأزياء، الإخراج. منذ ستة أعوام، بدأت فكرة تحويل المسرح الى استوديو لاكتشاف الوجوه الجديدة في عناصر الإبداع الفني، وأُعلن عن قبول الدفعة الفنية الأولى وتشكيل لجنة تحكيم لاختيار العناصر المؤهلة والموهوبة، بقيادة د. ناجي شاكر وصلاح مرعي في الديكور، المخرج عصام السيد والمصور عماد قاسم والمخرجة ساندرا نشأت. تنحو الدراسة في المركز الى الجانب العملي وتتبلور نتائجها في صورة عروض فنية، حققت نجاحاً كبيراً، اذ شاهد عروض الدفعة الأولى ما يقرب من ستة عشر ألف متفرج».
يضيف جلال: «أعضاء ورشة التمثيل والارتجال كلهم من الشباب، بعضهم من خريجي الجامعات والمعاهد المختلفة، يجمعهم حب الفن والتمثيل، وتستغرق فترة التدريس عشرة أشهر ليُسمح للمتدربين بالوقوف على خشبة المسرح، بالإضافة إلى بروفات المسرحية التي قد تصل إلى أربعة أشهر. يعمل الفنان في المركز في أكثر من مجال لأنه تدرب في جميع المجالات، ولديه القدرة على اكتساب الخبرات من خلال التدريب الدائم، فالهدف الرئيس لورشة التمثيل هو تأهيل الفنان ليصبح نجماً شاملاً».
أما عن العرض فيقول جلال: «هو محاولة لتعرية أوجاع المجتمع وهمومه ليس من باب الرصد بل من باب البحث عن الأسباب التي دفعتنا الى هذا المصير، لذلك اخترت فكرة «سرادق العزاء»، يتحرك الممثل نحو قبر ليس إلا رمزاً من رموز النهضة المصرية في المجالات الفنية والثقافية والعلمية والصناعية، لينتحب عليه، وهي رؤية قد تبدو مأساوية وسوداوية، لكنها مقصودة لإظهار ما وصلت إليه أحوال الوطن، ربما يتحرك البعض لإصلاحه».
عشوائيَّة
جاء العرض خالياً من الديكور إلا بضعة مقاعد تستخدم في مشاهد العزاء، وهو ما تعمَّده المخرج ليمنح ممثليه الفرصة للحركة بشكل عبثي وبلا تنظيم، خدمةً لرؤيته للواقع من حوله، فكل شيء بات «سمك... لبن... تمر هندي» كما يقول المثل، لا ضابط ولا رابط، لا قانون ينظم ويحمي، إنها العشوائية التي فرضت سطوتها.
يؤكد «قهوة سادة» أن لدينا فعلاً مواهب حقيقية، والأهم أن لديها دراية بكل ما يدور حولها، شباب يعون همومهم ويرصدونها بعمق، يساندهم مايسترو مخرج العرض الذي نجح في ضبط إيقاع العمل وفي استغلال العناصر من إضاءة، موسيقى، حركة ممثلين وغيرها لخدمة رؤيته وتأكيدها.
الجديد في العرض ليس الارتجال الذي لم يخرج عن الرؤية العامة ونجح في الحفاظ على التناغم بين مفردات العمل، بل قدرة النجوم على التبدل بسلاسة وحنكة بين شخصات مختلفة وبالإتقان نفسه.