حدث في مثل هذا اليوم عام1948
في منتصف ليلة السبت(15 مايو1948) ميلادية الموافق السادس من آيار5758( عبرية) غادر المندوب السامي البريطاني ميناء حيفا معلنا نهاية انتداب بلاده علي فلسطين( والتي ظلت26 عاما أي منذ عام1922) وعندئذ أعلن بن جوريون قيام دولة تدعي اسرائيل بحكومة مؤقتة وسكانها لايتعدون650 ألف يهودي فقط, وعندئذ أيضا تحركت جيوش خمس دول عربية( مصر, الأردن, العراق, سوريا, لبنان) تمثل نحو40 مليون نسمة لمحاولة انقاذ مايمكن إنقاذه.
وما كادت القوات العربية تقترب من حدود فلسطين حتي صدرت قرارات الدول الكبري( الولايات المتحدة, الاتحاد السوفيتي وغيرها من الدول الأوروبية) بالاعتراف باسرائيل كدولة مستقلة, كما صدر مع قرارات الادانة الدولية التهديد بالعقوبات علي الجيوش العربية, بينما لم تعترض أية قوة دولية عندما شرعت قوات الهاجانا ومنظمتا الارجون والشتيرن الارهابيتان في ضرب المدن والقري الفلسطينية الواحدة تلو الأخري في الأسابيع السابقة للسبت الحزين(15 مايو1948).
{{{
تلك مقدمة لاتستهدف تسجيل ما جري في هذا اليوم الحزين تفصيلا, فالمستهدف التركيز علي تداعيات ادارة تلك الأحداث, وكيف استطاع العدو الاسرائيلي توظيفها التوظيف الأمثل لصالحه في التو أو فيما بعد, ويكفي التركيز علي إدارة ثلاثة أحداث هي:
(1) إعلان اليهود قيام دولة اسرائيل في15 مايو1948, بينما تأخر اعلان قيام دولة فلسطينية حتي15 نوفمبر1988 مع الانتفاضة الأولي, ومازلنا ننتظر منذ عام2002 وحتي اليوم وعد الرئيس الأمريكي بوش بموافقته علي قيام الدولة الفلسطينية.
(2) تطلع اسرائيل مبكرا ومنذ عام1948 للهيمنة علي القدس كعاصمة لها.
(3) مبادرة اسرائيل بكتابة وتوثيق ما حدث عام1948/47 كرواية اسرائيلية رسمية بمختلف اللغات.
وبخصوص إسراع اليهود باعلان قيام دولة اسرائيل في15 مايو1948 أي بالتزامن مع انتهاء بريطانيا انتدابها علي فلسطين عشية هذا اليوم, فإن هذه الخطوة قد أتاحت لليهود فرصة الاعتراف الدولي السريع بهذا الكيان( المصطنع) الجديد. ولم تكن الخطوة اليهودية مجرد اعلان فقط للدولة, وانما عمل مؤسسي, حيث اجتمعت في تل أبيب( عشية15 مايو1948) شرذمة تضم ممثلي الجالية اليهودية والحركة الصهيونية, وذلك علي شكل مجلس مؤقت, وأصدر اعلان قيام دولة يهودية( وقع علي الاعلان نحو40 من زعامات اليهود يتقدمهم دافيد بن جوريون).
وبتفويض من حكومة اسرائيل المؤقتة بعث الياهو ايبشتين ممثل الوكالة اليهودية في واشنطن برسالة إلي الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية باعلان قيام اسرائيل, ولاعجب أن تكون الولايات المتحدة أول من اعترف بهذا الكيان الطارئ وتبعها الاتحاد السوفيتي, ثم مجموعة من الدول الأوروبية.
يحدث هذا بينما كانت الأمم المتحدة تتحفظ صراحة علي السيناريو الذي أعدته الجالية اليهودية في فلسطين لاعلان دولة يهودية, فقد صدر في التوقيت نفسه(14 مايو1948) قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي( مع موضوعات أخري) بأن يبذل الكونت فولك برنادوت وسيط الأمم المتحدة مساعيه لوضع تسوية عادلة للحالة التي ستكون عليها فلسطين في المستقبل, ولكن مبادرة اسرائيل بفرض الأمرالواقع قد حالت دون أن يستكمل برنادوت عمله بل ــ للأسف ــ لقي حتفه, بمعرفة اسرائيل عندما باشر تسوية قضية القدس.
{{{
أما بخصوص تطلع اسرائيل مبكرا للهيمنة علي القدس كعاصمة لها, فلقد تعامل بن جوريون مع قرار تقسيم فلسطين بخدعة, لم يدرك العرب مغزاها إلا مؤخرا, وهو القرار الذي جعل القدس كيانا منفصلا خاضعا لنظام دولي خاص, علي أن تتولي الأمم المتحدة إدارته وتعيين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الادارية نيابة عن الأمم المتحدة. وأشار القرار إلي حدود المدينة, وتشمل بلدية القدس مضافا إليها القري والبلدان المجاورة. وإذا كان القرار قد أعطي للدولة اليهودية نحو53% من إجمالي مساحة فلسطين الكلية لكن القدس لم تكن من نصيب الدولة اليهودية, ولم يتم توفير شريط أرضي يصل بين اسرائيل والقدس, وكان الوضع داخل المدينة من الناحية السكانية والجغرافية آنذاك في صالح العرب بنسبة70%.
ورفض العرب المشروع انطلاقا من أن التدويل يسلب العرب حقهم التاريخي والشرعي في السيادة علي المدينة, بينما تقبل الطرف اليهودي ــ في خبث ودهاء ــ مشروع التدويل علي مضض حتي يتمكن أولا من اعلان استقلال الدولة اليهودية وبعدها تحاول اسرائيل فرض وقائع جديدة, وهذا ما تحقق فعلا حتي قبل اعلان قيام اسرائيل, إذ قامت القوات الإسرائيلية باحتلال مناطق عربية واسعة في اللد والرملة ووطدت طريقا قويا بين تل أبيب والقدس ونقلت عليها الذخائر والمؤن, كما بادرت باحتلال حي القطمون العربي ذي الموقع الاستراتيجي المهم في القدس, وذلك قبل أسبوعين من اعلان قيام اسرائيل. كما واصلت اسرائيل وحتي الآن هذا المخطط الاستيطاني الاستعماري حتي هيمنت علي القدس كلها( غربية وشرقية).
أما بشأن قيام اسرائيل بكتابة وتوثيق ما حدث عام1948/1947 كرواية اسرائيلية رسمية بمختلف اللغات, فتعد تلك الخطوة مبادرة لم نفعلها نحن العرب برغم أننا دخلنا الحرب تحت علم واحد( بخمسة جيوش نظامية تنتمي إلي سبع دول عربية), ولايعني هذا قصور المؤرخين الأكاديميين والعسكريين ورجال السلك الدبلوماسي والأدباء والمثقفين في كل عاصمة عربية عن تغطية أحداث هذه الحرب في كتب عديدة ومتنوعة إلي جانب تخصيص مئات من الرسائل الجامعية لبحث ودراسة أبعاد هذه الحرب, ولا بأس بهذا كله ولكنه لايكفي, فالدول العربية الخمس التي شاركت في حرب1948 مسئولة عن كتابة وتوثيق تلك الجولة, فالحرب بعد60 عاما لم تبح بعد بكامل أسرارها من ناحية وبدروسها المستفادة لنا من ناحية أخري.
وأخيرا.. فما أطول هذا اليوم الحزين(15 مايو1948) حقا