شهقت ضيعتنا مندهشة لما علمت ان محمود القاسم قد صار وزيرا.
وهاهي ضيعتنا يا محمود كما تركتها وردة من طين وعشبا اصفر ونهرا من الاطفال الحفاة .
وارتبك محمود قليلا ولكنه قال لامه:لا داعي للبكاء .لست داهبا الى
المشنقة
فمسحت امه دموعها باصابعها وقالت بصوت مرتعش:ليس لي غيرك في الدنيا
احرص على صحتك يا ابني فالقرى كلها امراض واوساخ .مسكين انت .لو كان لك قريب مهم لما عينت معلما في القرية
فقال لها عمر بلهجة مرحة :اطمئني فابنك ليس زجاجا سهل الكسر
وعم ضيعتنا الفرح ورحبت بحرارة لدلك النبا الدي اداعه الراديو.ادن محمود قاسم صار وزيرا فسبحان من يعطي دون ان يسال وصدق من قال:ان من جد وجد
-مادا يشتغل الوزير
-تخصص له سيارة فاخرة تلوى الاعناق عند مرورها
-ويقبض في كل شهر معاشا يتيح له ان ياكل خرفا كل يوم .
-وعندما يدخل الى مبنى وزارته يرتجف الموظفون خوفا ويسلمون عليه وكانه عيسى النازل من السماء.
ويامر فيطاع.يقول للمطر انزل فينزل .
وادا امر الاغا فهل يطيع الاغا
وحدق اهل الضيعة بوجوم وفضول الى شاب نزل من الباص الاتي من دمشق.كان شابا مرفوع الراس دا عينين وديعتين وصارمتين في ان واحد .سلم علينا وكانه واحد من اهلنا غاب عنا زمنا ثم عاد.قال لنا ان اسمه محمود القاسم وهو معلم المدرسة الجديد.
وقال واحد هو من اهل الضيعة:يجب ان ندهب الى دمشق لتهنئته.
وقال اخر بحماسة:سندهب كلنا رجالا ونساء كبارا وصغارا.
وقال ثالث:تدهب ايضا الابقار والخراف والدجاج والارانب.
قال رابع:الفكرة عظيمة ولكن من سيدفع اجرة الباص وهل ندهب
سيرا على الاقدام
ران الصمت حينا ثم قال رجل عجوز:يكفي ان يدهب واحد منا ويهنئه باسم الضيعة وهو يعرف حالنا ولن يعتب علينا .
ولكن من سيدهب.
قال العجوز:اختاروا من تشاؤون. فليدهب مثلا احمد
فحاول احمد الرفض غير ان اصواتنا حاصرته قائلة:نت اعقلنا.
-واكبرنا سنا وقدرا.
-انت تتقن الكلام حتى مع الملوك.
-كان محمود يحبك .
-دائما كان يشرب الشاي عندك.
-كان يحب حديثك.
-كان صديقك.
قال احمد:لكن محمود كان ايضا صديقكم وكان يحبكم انسيتم.
ونظر محمود بحب الى الاولاد المتسمرين على المقاعد وقال لهم :انا معلمكم الجديد اسمي محمود ...محمود القاسم.اني احب المجتهدين اما الكسالى فمن الافضل لهم ان يتخلوا عن كسلهم والا ..... .
ورفع رجل اشيب طفله الصغير الى اعلى بحركة فخورة وقال:ساسميه محمود كاسم جده .ونظر الى الام الشاحبة الوجه المستلقية على الفراش وضحك وقال لها:لو كان يعرف ما ينتظره لرفض المجيء ويوم اموت لن يرث سوى ثيابي .
وقلنا لاحمد :لا فائدة من التهرب ستدهب الى دمشق وتقابل محمود وتهنئه .فهز احمد راسه موافقا مستسلما .
وقال مختار الضيعة لمحمود:يا استاد حتى الان لم تدهب لزيارة الاغا .
وقال محمود :لمادا ادهب ما دمت لا اعرفه وهو لا يعرفني .
قال المختار:اللباقة ضرورية والاغا سينفعك فكل ما تراه عينك من اراض في الضيعة هي ملكه.
قال محمود:ابي وامي لم يعلماني اللباقة وعملي في الضيعة ان اعلم الصغار القراءة والكتابة .
قال اهل الضيعة لاحمد:قل لمحمود اننا ما زلنا جياعا .
-قل له ان جوعنا ازداد .
-بتنا ناكل حتى الحصى .
-حدثه عن القمل الدي ياكلنا .
-وعن اللحم الدي نسينا طعمه.
-حدثه عن امراضنا .
-فل له اننا بحاجة الى اطباء وادوية .
-ضيعتنا بحاجة الى ماء نظيف للشرب
-حدثه عن شوقنا الى نور الكهرباء.
-كلمه عن الاغا وفعاله.
-نحن نشتغل وهو يحصد.
وقال رئيس مخفر الشرطة لمحمود:اني والله يا استاد اعتبرك كاخي تماما وسانصحك نصيحة انت حر ان شئت فاعمل بها او فارمها وراء ظهرك انت دائم السهر مع فلاحي الضيعة ولا يليق باستاد مثلك ان يسهر معهم.معلم المدرسة شخصية محترمة.
قال محمود:فلاحوا الضيعة اناس طيبون .
قال رئيس المخفر:وانت تكلمهم كلاما ادا سمعه الاغا فسيزعل فادا زعل الاغا فالله يعلم ما يحدث .
وصاح احد الشبان :اسمعوا من المناسب ان ياخد احمد معه هدية لمحمود .فتعالت اصواتنا مؤيدة ولكن اي هدية نختار.
-خروف او عدة دجاجات.
-هده هدية لا تليق بوزير.
-ادن اي هدية نرسل.
قال احمد :افضل هدية هي سلة من كرز ضيعتنا .
اتدكرون كم كان محمود يحب كرز ضيعتنا ويقول عن لونه الاحمر انه تعبنا ودمنا .
فاثنينا جميعا على راي احمد .
وقال لنا محمود :الظلم لا يدوم .
وقال لنا:كيف تقبلون بحياة الدل.
فقلنا له:العين بصيرة واليد قصيرة.
فقال محمود بصوت غاضب:اليد قصيرة لان القلب خائف.
واقبل ليل ابيض واستسلمت الضيعة للنوم وكنا نحن الفقراء جسدا واحدا مرتجفا مبتهجا ينادي ايام كنا نتصنت الى كلام محمود مبهورين فكانه عاش امدا في قلوبنا وقلوب موتانا .
وعندما اشرقت شمس الصباح على الضيعة تجمع الرجال والصغار والنساء حول الباص المسافر الى دمشق .
وقال لنا محمود قبل ان يصعد الى الباص :الاغا صاحب نفود وجاه في دمشق وهو الدي نقلني من ضيعتكم لاني لم اصبح خادما له ولاني احبكم ولكن اليوم الدي تتخلصون فيه من دلك الاغا وامثاله ليس بالبعيد بل هو قريب وسترونه انتم لا احفادكم وستصبح الارض التي تشتغلون فيها ملكا لكم .وركب احمد الباص وبرفقته سلة مليئة بالكرز الاحمر دي الحبات الناضجة البراقة .
ولما اوشكت شمس الضيعة ان تافل بلغ سمعنا بوق الباص العائد من دمشق فتراكضنا الى ساحة الضيعة .اتى الباص ونزل منه احمد عابس الوجه وبرفقته سلة الكرز .تصايحنا بدهشة:لمادا لم تعط محمود سلة الكرز .
-الم تقابله .
-مادا قال لك.
ظل احمد ساكتا كانه اصم ووضع سلة الكرز على الارض وتكلم بصوت اجش وقال للصغار:تعالوا وكلوا الكرز وعندما تكبرون لا تنسوا طعمه. ثم مشى متجها الى بيته فاعترضنا طريقه وقلنا له :تكلم واخبرنا بما حدث فاجابهم محمود ماااااااااااااااات .
فزعلنا كان امنا قد ماتت بينما عاود احمد السير وقد ازداد ظهره انحناءا .
والان اخواني اخواتي ما هي العبرة المستفادة .وهل مات محمود فعلا . ادا كان نعم لمادا ولا لمادا .
الرئيسية 
