زينب: ما الذي فعلت.
صباح: الا تعرفين( يدنو منها غاضبا) ألا تعرفين .. صحيح، نعم صحيح، هي أكاذيب أخرى، أكاذيب اسمعها من جديد.
زينب: ما الذي تقوله يا صباح، أي خداع وأي أكاذيب.
صباح: تسخرين وتستهزئين مني مثل الأخريات.
زينب: من، أنا!
صباح: كلكم متشابهون.
زينب: حتى أنا يا صباح.
صباح: اجل، حتى أنتِ تمثلين علي وتلعبين دور الطيبة والمحبة.
زينب: أنا، ماذا فعلت؟
صباح: أكاذيب في أكاذيب .. مرارا كنت اسمعهنَ وهن يتضاحكنَ ويقهقهنَ علّي .. نعم اسمعهنَ يصفني بالبشعة والغوله.
زينب: لكني يا..
صباح: صحيح، صحيح تختلفين عنهن أليس كذلك.
زينب: انك لا تدري ما اشعر به.
صباح: اجل، اعرف ما تشعرين به من تسلية جميلة ولعبة مسلية .. اصدقيني يا زينب ( يلتف حولها) كم ضحكتِ في سّرك علّي، وكم بصقتِ على هذا الوجه ( تشير لوجهها) وأنتِ تلّطخيه بالكحل .. ماذا صْرتُ الآن بنظرك .. ها، ماذا أصبحت، قردا أم مسخا بشعا يثير الضحك والعطف.
زينب: كفى، كفى.
صباح: (تمسك يد زينب بعنف) هاتِ هذا القلم.
زينب: (تطلق صرخة مكتومة) لا، لا ماذا تفعل؟
صباح: (تكحل وجهها بعصبية) ما رأيكِ الآن بهذه الزينة(تضحك) ها، كيف أبدو لكِ (تقترب منها أكثر) هل يكفي هذا ويفي بالغرض .. لا، لا بالتأكيد لم يكتمل جمال هذا الوجه.
(تجلب علبة الماكياج وتنثر أشيائها)
صباح: انظري جيدا القليل من احمر الشفاه هنا ( تدهن وجهها) والقليل من الأزرق فوق العينين( تدهن) والأبيض على كل الوجه(تدهن وتقترب من زينب) أظن بان زينتي قد اكتملت.
زينب: ( صامته بارتباك).
صباح: هيا كوني صادقه واضحكي أمامي، فلقد مللت هذا الخداع(بعصبية) ها، لِمَ لا تكركرين من الضحك. اعرف ستذهبين بعد قليل إلى صديقاتك وتخبريهن بتسلية هذا اليوم، وكم كانت جميلة ومضحكة.
زينب: كفى، لِمَ تفعل بي هكذا؟
صباح: أنا الذي افعل آم أنتِ.
زينب: أنت يا صباح .. لماذا تريد مني أن أكرهك وأبغضك؟
صباح: أنا؟
زينب: اجل، كل ما حاولت ألتقرب منك .. كل ما حاولت جاهدة أن أرضيك تصدني وتبعدني وتنزل عليّ بأبشع ما لديك من كلمات.
صباح: لأنكِ منهم، تشبهينهم في كل شيء.
زينب: (تنشج باكية) أنت لا تحس بما اشعر به، انك لا تفهم صدق مشاعري ولا تدرك ما احمله من حب.
صباح: مشاعر، يا لها من كلمة جميلة مغلفة بالخداع.
زينب: أني احبك يا صباح فهل تفهم.
(فترة صمت قصيرة).
صباح: (تقترب بتردد من زينب) أرجوكِ يا زينب كفى بكاء، لم اقصد ما قلت.
زينب: (بصوت خافت متمرد) ابتعد عني .. ابتعد عني.
صباح: صدقيني يا عزيزتي لم أكن اقصد ما قلت.
زينب: (تمسح دموعها) اذهب بعيدا عني، ولا أريد أن اسمع منك شيء.
صباح: (تمسك بمشط وردي اللون وتقوم بتسريح شعر زينب بلطف) لا تزعلي ولا تغضبي مني يا عزيزتي، أني اعتذر.
زينب: (تحاول أبعادها بود) لا، لا أريد .. اتركيني، اتركيني لحالي.
صباح: صدقيني كنت امزح معك، نعم كنت امزح فقط.
زينب: ها، تمزحين؟
صباح: لم اعرف انكِ ضعيفة القلب وتصدقين كل ما أقول.
زينب: (تلتفت برأسها إلى صباح وتنظر إليها غير مصدقة).
صباح: (لم تزل تسرح الشعر) نعم، امزح وهل من المعقول أن أكرهك واغضب منك .. وألان اخبريني هل سيأتي ابن الحلال هو وأمه غدا.
زينب: (لا تجيب).
صباح: ماذا ستلبسين ليوم غد.
زينب: لا ادري.
صباح: اهو جميل؟
زينب: (لا تجيب).
صباح: هل تحبيه؟
زينب: (تمسك بيد صباح وتضعها على خدها) دعك من هذا الحديث، أني أفكر بك دائما يا صباح.
صباح: وأنا كذلك.
زينب: آه، لو تعرفين كم احبك.
صباح: وأنا أيضا يا زينب.
زينب: كم هما مسكينان قلبي وقلبك يا صباح.
صباح: (لا تجيب)
زينب: كم احبك يا صباح وكم حلمتُ بك، لكن ما يكون من أمر هذا الحب؟
صباح: (تتوقف عن تسريح شعر زينب بعد أن يغلف الصمت وجهها).
زينب: أني خائفة .. احضني إلى صدرك .. ضمني بعنف.
صباح: (على صمتها)
زينب: (مرتجفة الجسد) ضمني أليك بقوة .. دفني بصدرك يا صباح .. دفني يا صباح.
صباح: (على جمود وجهه) دائما اسأل نفسي ما هو الحب؟ وكيف أحب؟ وهل أحبُ يوما.
( زينب تسحب صباح، تجلسها قربها. تقبلها، تحضنها أكثر فأكثر. يتلاصق الجسدان، والأصابع تتشابك، ترتفع الآهات. ينامان فوق السرير، يتقلبان ويسمع اللهاث يرتفع ويرتفع).
( يزمجر الرعد بقوة في الخارج وتنتبه صباح فجأة كما لو أفاقت من حلم ).
صباح: لم أزل اذكرها جيدا تلك الليلة يا أمي. قبلتني العزيزة زينب، ضمتني أليها وعصرت صدري. قبلتها أنا أيضا. أحسست برعشة جسدها وبطعم شفتيها. آه, تقلبنا فوق الفراش، تمرغنا طويلا، والقبل ظلت تأكل الشفاه. أتصغين يا أمي نمنا معا ..
( حركاتها منفعلة).
اجل يا أمي نمنا متعانقين، متحاضنين .. وفي أخر الليل بكيتُ على صدرها بحرقة .. بكيت وصرخت لأني لم اقدر أن افعل شيء. لأني لا ادري ما كنت فيه تلك الليلة؟ والعزيزة زينب بكت معي تلك الليلة وقالت أني احبك يا صباح، لكن لا اعرف كيف احبك ؟ آه، يا أمي أكاد اختنق، سحقا سحقا.
(صمت).
لستُ بساخط ولا بناقم على ما فعلتِ يا أمي. أني أدرك لِمَ قمتِ بذلك. كنتِ تخافين صمت هذا البيت ووحشة الفراق. كما أنا ألان أتلفت وأدور فلا شيء يواسيني من بعدك.
( تتربع جالسة جوار الأم).
احبكِ يا أمي واعرف مدى طيبتك .. واعلم مدى خوفك عليّ .. فأحيطيني اليوم بين ذراعيكِ وقصي من حكاياتك الجميلة كما كنتِ تفعلين. آه، فكم أعوزها وأتلهف لسماعها الآن.
(تمسح صباح وجه الأم، تقبله ثم تضمه إلى صدرها).
كنتُ أنام على حِجْركِ مطمئنا واسمع ُحكايات البنات .. ودائما عن البنات الجميلات. عن تلك البنت الحلوة التي أحبها الأمير من أول نظرة .. وعن البنت الطيبة التي تسمع وتطيع كلام أمها .. فيما أنا أغفو واحلم بسلام بين ذراعيكِ.
( تدق الساعة).
آه، أين أنتِ ألان مني يا أمي .. الليل أوشك أن ينقضي، وفجر الغد يلوح بوجهه، فاخبريني قبل أن تذهبي .. افتحي عينيكِ وقولي ما أنا علية ألان؟ هيا فكم أتلهف لسماعها. ها، لا اسمع .. لا افهم ما تقوليه .. نعم، ما من أحدا غيرنا، الكل نيام ولا من أذن تسمع .. ماذا؟
( لحظة تفكير ثم تومئ برأسها وتقوم).
ها، اجل فهمت ما تريديه، اجل عرفت الآن.
( تحمل الشخصية صباح جثمان الأم ، تسحبها بقوة وعنف قرب الأريكة .. تسندها وتهرول إلى الخزانة ، تفتحها، تبعثر أغراضها ثم تلتقط صرة سوداء وتأتي لاهثة).
ها هي يا أمي .. ها هي صرة بختكِ السحرية .. كنز النسوة .. هيا، ابدئي فليس من حجة لكِ بعد الآن.
(تتربع جالسة قرب الأم وتفتح الصرة تنثر أشياءها بعنف، قواقع وأصداف وخرز وخواتم ).
لطالما أفرحتِ وأسعدتِ بها نسوة .. هو عالمك يا أمي .. فمن يعرف أكثر منكِ .. هيا، اجمعي العالم، شكليه، اصنعيه، احبكي مصائر .. اكشفي مصائر، فليس الوقت ملكا لنا.
(لحظة صمت قصيرة).
سنوات يا أمي وأنا أرى النسوة تأتي شاحبات الوجه وحزينات .. كن يسألنك الحل والخلاص:
( صباح تقلد أصوات بعض النسوة وهي تتقافز حول الأم).
صوت: آه، يا أم صباح هو الزوج قد عاد من الأسر، يشق الأرض بمحراثه لكن ما من نبت أو حصاد.
صوت: وأنا يا أم صباح عليلة الليل والنهار .. غادر الحبيب فلا من خبر منه أو مرسال.
صوت: هو صغيري قد جند قبل أيام .. فاصنعي حجابا يحفظه ويحميه من العين والشر.
( صباح تمسك بيدي الأم وتمسحهما فوق الأصداف والخرز والدبابيس).
اسمعي يا أم سعد، اذبحي عند المساء ديكا سمينا وستُشفى ابنتكِ .. وأنتِ نامي مع زوجك الليلة وسيكون لكِ ما تترجين .. وأنتِ أني أراه يأتي أليكِ عما قريب. وأنتِ وأنتِ. والنسوة يخرجن فرحات منتشيات .. يزغردن من الفرح ويقبلن وجهكِ ويديكِ.
( تزغرد صباح بهستيرية).
لكن لم تتجرئي يوما وقلتِ: تعالي يا صباح اقرأ بختك .. تعالي اكتشف طالعك. دائما تتهربين مني .. تتحججين بأتفه الأسباب ثم تهربين. اليوم ليس لكِ من مفر. لن اقبل بكل التوسلات ولا بأي مساومة. لا تتذرعي بشيء ولا تتصنعين التعب أو الإعياء. لا، لن يمنعني عنكِ اليوم شيء. أريد الليلة أن اسمع، أن اعرف.
(صمت قصير).
ما بكِ لا تتفوهين بشيء، أعجزتْ أعاجيبكِ وخرسُتْ أمامي؟ أين ولّتْ قُدرْاتك السحرية أين اختفت؟
(تقترب من الأم وهي تحمل بيديها قواقع وأصداف وخرز وخواتم).
لا، لا تشيحي بوجهكِ عني، ولا تحاولي أن تتجاهليني. لن ينفع كل هذا، فلا من مهرب اليوم. تمعني، أتوسل أليكِ أن تتمعني وتبدئي. اجمعي، انثري .. هيا، هيا لِمَ لا تبدئي .. هيا اقرئي طالعي، اظهري ما يتجلى ليوم غد. أريد أن اعلم ما يخبئ من خفايا، فانا راضيه وقانعة بما صرت علية .. نعم، أنا راضيه وقانعة بما صرت علية.
( رؤيا )
( ظلمة خفيفة تخيم على الحوش. مجموعة من النسوة تولول وتنوح وهي تترك البيت خارجة. تظهر الأم بمفردها بثياب سود قاعدة على بساط فرِشَ قُربَ درجات السطح. شعرها منكوش ووجهها ذابل ومتعب القسمات، تحضن بين ذراعيها طفلا رضيعا .. هي لا ترى أحدا أمامها وتكلم نفسها دائما بصوت خفيض. قريبا من الباب تقف الشخصية صباح بنفس ثيابها. تنظر وتتمعن بالأم لا تقترب منها، ولا تقدر أن تلمسها).
الأم: آه، أي مصيبة وقعت فوق راسي .. وأي لعنة أنا بها .. فقد الأب ولا من خبر منه.
صباح: (بحركات متصنعة) هو جدي الذي لم أره، أليس كذلك ..
الأم: (تكلم طفلها) وأمس يا صغيري أتوا بابيك محمولا على الأكتاف .. سرقته الحرب أيضا.
صباح: آوه، أبي هو الأخر لم أره.
الأم: نعم، أكلته التي لا تشبع ولا ترحم.
صباح: (تتأمل ألام صامته).
الأم: (وهي تتحدث مع الصغير) من يقدر على الأيام يا صغيري، ومن يحزر ما تُخبئ يا حسرة.
صباح: (بصوت خفيض) صدقتي يا أمي.
الأم: فما من احد يقرر حياته كيف تكون .. ها هو أبوك الغالي ودعني من دون وداع.
صباح: (صامته).
الأم: آه، كم تمنيت أن أعيش في بيت بسيط، مع زوج محب وأطفال يلهون ويتمازحون أمامي.
صباح: حتى هذه الأمنية البسيطة، لم اقدر أن احلم بها يوما يا أمي.
الأم: وها أنا الآن وحيدة، عارية أمام هذه الحياة .. كلهم ذهبوا وتركوني في بيت لا هواء فيه ولا نفس.
صباح: (بابتسامه بلهاء) أنا هنا يا أمي .. أنا هنا.
الأم: انجدني يا الهي .. وأعطني من صبرك القليل.
صباح: (مستغربه).
الأم: أستغفرك يا الهي على ما أنا مُقدمة عليه.
صباح: ما الذي ستفعلينه؟
( الأم تحضن الصغير ثم تتركه وتقف، تتلفت حولها، تمشي خطوات، تقف ثم تستدير للصغير بوجه مصفر)
الأم: ستغفر لي عندما تكبر، وستعرفُ كم احبك يا صباح.
صباح: على ماذا؟
(تذهب الأم مسرعة ناحية المطبخ، تغيب هناك لفترة، وتسمع ضجة أواني وقدور ثم تأتي وفي يدها سكين لامعة)
صباح: ما هذا يا أمي .. ماذا تصنعين بالسكين؟
الأم: (تكلم نفسها وتنظر إلى السكين) هل تطاوعني يدي.
صباح: على أي شيء؟
الأم: هل اقدر .. فعلها ابن جارتنا منذ سنة، فلم يأخذوه.
صباح: فعل ماذا يا أمي؟
ألام: نعم لم يتردد ولو للحظة .. كان قلبه مثل الصخر.
صباح: ماذا فعل؟
الأم: لن أتردد .. ولن ترتجف يدي أو تخونني.
صباح: ما هو الأمر يا أمي؟
الأم: (تمسك طفلها) سبابتك أو ذراعك يا صغيري تكفي لخلاصك من الحرب.
صباح: (غير مصدقه) ماذا تقولين؟
الأم: (تكلم نفسها بصوت هامس) سبابتك يا صباح هي الأصغر ولا تحدث تشويها كبيرا إن قطعتها؟
صباح: (تمسك سبابتها).
الأم: (وهي مفكرة) لا، سأقطع ثلاثة من أصابعك .. نعم سأقطع ثلاثة، لعلهم لا يكتفون بسبابة واحدة.
صباح: (تتلمس أصابعها لفترة ثم تبتسم) أصابعي فقط .. ولا غير سوى أصابع.
الأم: (تمسك يد الصغير تقبلها ثم تنتفض صارخة) لا اقدر على هذا الفعل يا الهي .. أي عذاب هذا، وأي امتحان أنا به.
صباح: افعلي يا أمي فالأمر سهل .. اقطعي، هيا امسكي السكين وابتري ثلاثة أصابع أو أربعة .. هيا افعليها.
الأم: (ترمي بالسكين بعيدا) اقطع يدي ولا أمس شعرة من راسك يا صباح.
صباح: لماذا لم تقطعي .. فكم كان هذا أهون عليّ.
الأم: كيف فكرت بهذا الجنون، كيف طاوعتني يدي وحملت السكين.
صباح: الأمر كان سهلا يا أمي .. كان سهلا.
(تضم الأم طفلها وتقبله ثم صمت ليس بالقصير).
الأم: لا مفر لي من هذه الحرب إلا حيلتي يا صغيري.
صباح: اللعنة، ها هي حيلتك قد بدأت ألان.
الأم: ولمن أعيش إذا أخذتك الحرب مني.
صباح: الم تفكري مع نفسك ولو للحظة، ما أكون عليه بعدها يا أمي.
الأم: اجل سأحميك يا قلب أمك .. وقد سمعت بان الحرب خدعة، وأنت خدعتي على هذه الحرب.
صباح: (بغضب) ما من تبرير في هذا العالم يعطيك البراءة على هذا العمل؟
الأم: حبي وخوفي عليك يجراني إلى هذا الفعل.
صباح: أكاذيب، أكاذيب أخرى.
الأم: ستفهم حين تكبر ما معنى أن تحب.
صباح: اللعنة، ماذا أقول لها .. أي حب يا بشعة الذي تتحدثين عنه.
الأم: أنت كل ما املك من دنياي .. من لي غيرك إذا مُت ولمن أبقى.
صباح: إلى الجحيم .. إلى الجحيم.
الأم: ماذا لو كبرت يا قلب أمك، والحرب لم تزل تأكل الأخضر واليابس.
صباح: (تدور حول نفسها).
الأم: هل تأخذك مثلهم.
صباح: (صمت)
الأم: لا، وألف لا .. لن ادعها تأخذك مني. أنت كل ما املك من دنياي. أنت طعمها يا صباح .. من لي غيرك أذا فارقتني ولمن أبقى؟
صباح: فدبرتِ حيلتك، أليس كذلك؟
الأم: صباح، مالي ألا حيلتي.
صباح: وأنا كنت العب وألهو قريبا منكِ.
الأم: ما من باب يفتح عليك بعد اليوم .. سأسد عليّ بابي وأغلق السطح والشباك.
صباح: (تتلفت حولها) بدا الجحيم .. بدا الجحيم.
الأم: من الساعة عليّ أن أداري واخفي حيلتي.
صباح: اااووه.
الأم: أنت صغيري ابن سنتك الأولى، لم تأخذ من الدنيا شيء ولم تطعمك من سلوكها شيئا بعد.
صباح: وأنا كنت ابتسم واستمع لما تقولينه.
الأم: مالي ألا الحيلة، وحيلتي على الزمن اللعين هو أنت.
صباح: (بغضب) نعم فهمت .. والله فهمت.
(وحدها صباح تسمع طرقات خفيفة على الباب ثم دقات الساعة).
صباح: ها، جاءوا يا أمي، لقد جاءوا.
الأم: سأخفيك عن الناس يا قطعة من فؤادي.
صباح: (وهي تنصت للطرقات) اجل لقد حان الوقت، حان الوقت.
الأم: وعين الناس مرآة الغائب عنها غائب إلى الأبد.
صباح: (تتلفت حولها مرعوبة كما لو كانت تحاول أخفاء شيئا ما).
الأم: لا تخف يا صغيري، للزمن على الذاكرة سلطان لا يرحم اسمه النسيان، فلا من خوف.
صباح: لا، لم يحن الوقت بعد، هل تسمعون .. لم يحن الوقت.
الأم: (تضم صغيرها إلى صدرها وتلاعب رأسه) يا وجع قلبي يا صباح .. واسمك بوجهين للذكر والأنثى فلا خوفا منه.
صباح: (بصوت لاهث) نعم يا أمي.
الأم: (بصوت خفيض) سأطلق شعرك واصبغه بالحناء.. واعمل منه ضفائر ثم ألبسك الثوب الملون.
صباح: (تمسك ثوبها، والباب يرتج بعنف)
الأم: والناس لها الظاهر تصدق ما تراه.
صباح: وأنا مثل الأبله كنت انظر أليكِ واضحك.
(ترتفع الطرقات على الباب).
الأم: لكن خوفي من سؤال الناس الملحاح عنك يا صباح .. أين الصغير .. كيف حالة .. منذ وقت طويل لم نره .. لماذا لا يلعب مع الصغار ..
صباح: (تشير ناحية الباب) نعم يا أمي .. الناس لا ترحم مثل هؤلاء.
الأم: لا تخف يا صغيري ما من مشكلة إلا ولها الحل والتدبير.
صباح: فما كان الحل؟
الأم: ما من مفر، حيلتي يجب أن أواريها، ساترك البيت والشارع.
صباح: إلى أين؟
الأم: سأذهب إلى أخواتي يسكنن بعيدا.. نعم أخوات لهن سبع بنات، ستتربى معهن وتعيش.
صباح: أي فكر شيطاني هذا يا أمي.
(يرتج الباب أكثر فأكثر من اثر الطرقات).
الأم: (مشرقه الوجه) ومع الأيام والأشهر والسنين ستأخذ منهن يا روح أمك، المشية والضحكة والكلمة اللينة.
صباح: لا، لا.
الأم: وأقول أمامهن تعالي يا صباح، اذهبي يا حلوتي، العبي، ارقصي.
صباح: (تسرع إلى الباب وتحاول حماية الباب من السقوط) كفى، كفى .. اللعنة عليكم .. واللعنة عليكِ يا أمي .. اللعنة عليكِ وعلى الناس في وقت واحد.
الأم: وهكذا يا صغيري ستعيش معي وتكبر أمام عيني .. ولن تفارقني أبدا، أبدا، أبدا.
(تدق الساعة.. يفتح الباب.. تصرخ صباح وتسقط على الأرض)