مسرحية ليلة الكراسي
تأليف : حسين رحيم
الشخصيات :
1- زان..... رجل على شكل كرسي .
2- جاوي ..... رجل على شكل كرسي .
3- ماهوكني ...... فتاة على شكل كرسي .
4- شاب .
المشهد الأول
الفصل ألأول
لو اجتمعت كل عيون البصاصين في عين واحدة لفقأتها واسترحت
لو اجتمعت كل أذان المتصنتين في أذن واحدة لبعجتها واسترحت
لو اجتمعت كل رؤوس الأغبياء في رأس واحدة لحنطته واسترحت
لو اجتمعت كل قلوب العشاق في قلب واحد لاستبدلته بقلبي واسترحت
لو اجتمعت قلوب النساء في قلب واحد لأخذته معي في سفر طويل إلى
كوكب بعيد.. بعيد حتى السذاجة
لو اجتمع كل طغاة الأرض وجبا ريها في طاغية واحد لأغرقته في حوض
ملآن بد موع الثكالى والمعذبين وما أسترحت
صوت يا مواسم الشمال .. يا مواسم الجنوب .. استيقظوا من رقادكم .. فقد قررت أن افرش عباءتي أمامكم .. إملاؤها بشتاءات واصياف وربيع واحد وخريف حزين مغادر، سألفها وأشدها واحملها بعيدا .. بعيدا إلى هناك عند سفح ذاك الجبل .. سأنثر كل الفصول وأعود تلك الشجرة انثر فرحي واشرب من رحيق الصيف وطعم الشتاء وصنيع الربيع ونكهة الخريف وأتمايل مع الرياح وأوراقي كآلاف الأجراس تدغدغ خدود العصافير والسناجب .
المنظر
قبو أو سرداب،فيه صناديق و أشياء مهملة،كرسيان من الخشب العتيق ثمة موقد (fire place) (أصوات من الخارج،جماهير تتظاهر وتطالب بإسقاط الحكومة أصوات أقدام ثم يدفع شخص وهو كرسي فيتقلب ويصطدم بأحد الكراسي (وهو السيد زان)
زان أنتبه هل أنت أعمى ؟؟
جاوي أسف معذرة ، لم انتبه يا أخي لقد افقدني هذا اللص صوابي.... سرقني ثم رماني هنا دون إن اعرف السبب .
زان ربما يأتي فيما بعد .
جاوي ربما ... من يدري ...... قل لي يا أخي .. ما هذه المظاهرات
زان إنها عادة من عادات البشر التي أدمنوا عليها .
جاوي منذ متى ؟؟
زان منذ سنين وهذا ديدنهم كلما نصب حاكم لهذه المدينة ...يطا لبون بإسقاطه .
جاوي لماذا ؟؟
زان من يدري .. حتى لو سألتهم فلن يجيبوك.. لأنهم ببساطة لا يعرفون .
جاوي غريب أمر البشر ...عذرا لم نتعارف أنا جاوي .
زان تشرفنا سيد جاوي وأنا زان ما هو عملك سيد جاوي .
جاوي تستطيع القول ...... أنا كرسي عادي .
زان لكن شكلك يوحي بأنك أعلى مرتبة مما تقول .
جاوي لا يغرنّك المظاهر فهي لم تكن مرآة لأي شئ أو ..... أو جوهر .
زان جوهر؟؟ .... أي جوهر ؟
جاوي جوهرنا نحن الكراسي .
زان وهل نملك جوهرا ؟
جاوي طبعا...أنسيت أمنا ؟
زان هذا صحيح ...لكننا تخلينا عنها ...ونزعنا أخلاقها عنّا .
جاوي صدقت ... كم منا يتحلى بأخلاق الشجرة العظيمة .
زان ما علينا ...أي ريح طيبة ... رمتك في قبونا .
جاوي بل قل أي أيدٍ خبيثة رمتني .
زان كلنا رمتنا أيادٍ خبيثة هنا ... إيه مازلت أتذكر وجه النجار الذي صنعني والبريق الذي يشع من عينيه وكذلك الوالي الذي كان يدور حولي جذلا كطفل صغير.
جاوي والي.. ؟؟ أنت اثري يا سيد زان .
زان نعم ...بل قل تحفة فنية .. أتعرف كانت جوانبي مطعمة بالأرابيسك ..هنا وهنا
(يؤشر على جسده)
و فصوص العقيق و الياقوت والكهرمان هنا و هنا و هنا .. كنت تحفة ذلك الزمان .
جاوي أتعنى انك كنت كرسي الوالي ..
زان آووه ..طبعاً ، منذ قرن ونصف .
جاوي وقبلها ؟
زان قرن عند أمي .
جاوي قرنان ونصف.. لقد عبرت زمنك يا هذا .
زان نحن الزانون سادة الزمان ياصديقي ..إيه .. بقيت ذي رهبة وسطوة في قصر الوالي حتى جاء اليوم المشئوم حين أطيح به ..وسيطر الرعاع والدهماء على القصر وعملوا فيه نهبا وتخريبا ..أخذني جماعة منهم وذهبوا بي إلى مدينة بعيدة وهناك باعوني لأحد الحلاقين والذي استخدمني لجلب الزبائن بعد ذلك ..
(يستمر بالكلام دون صوت)
جاوي (مع نفسه) يظهراني وقعت على ثرثار .
زان لا تلمني يا صديقي فقد عملت كرسي حلاق لسنوات (يضحك)
جاوي معذرة... أنا تعب ، سآخذ قسطا من النوم .
زان (باستغراب وسخرية) نوم ، تعب ... ما هذا .
(يتكئ على كرسي ماهوكني . صرخة امرأة)
ماهوكني آه.. آه ..آه .. يدي .. يدي كسرت يدي أيها المتوحش ..
جاوي (يقفز من مكانه) من؟..ماذا؟..أنا أعتذر..أنا آسف يا آنسة لم أرك .
زان آنسة ؟ ، يدي ، نوم ، تعب .. من أين لكم هذه المصطلحات وما علاقتكم بها .
جاوي انه مجاز من البشر .
زان مجاز غبي ، لأنه تشبه بأعدائنا وأعداء إبائنا وأجدادنا .. هل نسيتم أم تناسيتم أصلكم نحن لسنا مثلهم فنحن غير ..غير ... نبكي ولكن واقفين ونتألم واقفين ونموت واقفين ... فما يفرحنا لا يفرحهم وما يحزننا لا يحزنهم .. إن بيننا وبينهم تاريخ عميق ومرير من استغلال وأذى سببوه لنا .. الشجرة هذه ألأم العظيمة التي بنت جسدها العظيم خلية خلية وحلقة فحلقة كي تأخذ قامتها مدى الكبرياء التي تليق بها تضفي من عطائها وحنوها على الجميع دونما تمييز وكل هذا في عشرات السنين ليأتي إلإنسان ويقطعها في لحظات ثم تتحول الى أثاث كي يكملوا قيافتهم البائسة ويتفاخروا فيما بينهم على اشلائنا ناسين أو متناسين إن الجمال كله أصله شجرة .... وحين يأكل الزمن من مفاصلنا وتصدأ مساميرنا وينخر السوس والعث والأرضة قوائمنا .. يرموننا في قبو أو سرداب ..أو.. يا الهي نحرق كي ندفئ أجسادهم .. كم من شجرة أحرقت لتدفئة شخص بينه وبين الشجرة زمان أخلاقي عتيق
جاوي انه متحامل على البشر كثيرا ألا ترين معي ذلك آنسة .
ماهوكني ماهوكني ..
جاوي وأنا جاوي .. تشرفنا .
ماهوكني صدقت يا سيد جاوي إن البشر ليسوا بمستوى هذا العداء .
زان لقد سمعتكما .. أنتم هكذا يا كراسي تصنعون المجد والعلو والتجمل ومن ثم تخضعون لما صنعته أياديكم في النهاية .
(صوت إطلاق رصاص)
جاوي إنهم يطلقون الرصاص .
ماهوكني آووه ......... متى ينتهي هذا ؟؟ ..... أنا خائفة .
جاوي اطمئني .......جاوي قريب منك .....لا تخافي .
ماهوكني أشكرك .... أنت إنسان لطيف .... (يضحكان) .
زان (بسخرية) إنسان لطيف ... يا لبؤسكما .
جاوي قل لي يا أخ الخشب ... لما أنت كاره للبشر هكذا .
زان أنا ....لست انتم ....فأنا اسأل وأعمق سؤالي ...وانتم لا...هل فهمت...؟؟
جاوي سفسطائية غبية .
زان سأسألك ؟ من هو صاحبك .
جاوي كان اديباً .
زان أتعني شاعراً .
جاوي كلا روائياً .
زان عموماً .كان يأتي منهم كثير ويقفون أمام الوالي أو السلطان ويقولون كلاماً جميلاً وبليغاً في حقه ..واغلب الأحايين لا يستحق حرفاً منه .
جاوي الروائي لا يمتهن المديح .
زان ما علينا ....كم من أديب مبتديء جلس عليك .... ثم قام من عندك وهو مبدع كبير .
جاوي لا أحد .
زان لا أحد ؟؟ ...كيف ذلك ؟؟
جاوي لأنه كاتب واحد ....وحين رحل ..لم يرغب احد بي ..حتى جاء هذا اللص .
زان وأنت كم من قبيحة جلست عليك وقامت من عندك جميلة .
ماهوكني آووه كثير .
زان طيب انظرا لحالكما .. اشعر بالغثيان لما أراه .
جاوي لسنا بأفضل منك ... وأنت كم من رجل جلس عليك وحولته إلى والي أو حاكم أو سلطان ثم حين غادرك .
زان (مقاطعاً) لا أحد يغادرني أتعرف ... احتضن جسدي أشكال وأنواع عديدة من البشر..بعد زمن يتحولون جميعاً إلى شخص واحد ... يفعل كل شيء إلا مغادرتي
(يضحكون)
زان لا خلاف .. لكني أفضل منكما في معرفتي بالبشر...أتعرفان أن اغلب صراعا ت
الإنسان مع أخيه الإنسان لأسباب تافهة ,على الأقل بنظرنا نحن الكراسي وكلها ناجمة عن خصلة سيئة عند البشر وهي الكبر والتكبر على مخلوقات الله جل شأنه ومن هنا جاءت الحروب والنزاعات والانقلابات والمؤامرات لكن حين يصل الأمر إلي .. يركن كل ما هو طيب وخير على رف الإهمال وأصبح أنا الهم الكبير والحلم المطلوب من الجميع أتريان هذه الندوب والكسور على جسدي , أنها بصمات ما خلفوه علي من الذين تعاقبوا علي من أمراء وملوك : قرون من صراع دموي ليس فيه ذرة من إنسانيتهم وذلك من اجل الوصول إلي فقط كان الوالي أو السلطان أو الحاكم حين يجلس يفتح دربا لخلوده علي .. لكنني كنت اعرف حجم زمنه الذي كان بالأشهر والأسابيع وأحيانا بالأيام ففي اللحظة التي تستقر عجيزته علي تبدأ الدسائس والمؤامرات والمكائد بالنمو حولي كنبات الفطر وكنت أرى الخيانة في عيون حاشيته ومن يأكلون من مائدته و....اسمعهم يخططون للانقلابات والاغتيالات حتى جاء ت النهاية عندما أطيح بأخر والي اعتلاني و.... و.... لا ادري كيف ومتى وصلت إلى هنا بعد أن عملت زمناً طويلاً كرسي حلاق فأنا كما تعلم مطلوب عند اللص .
جاوي يا الهي أ هكذا البشر؟؟؟
زان بل وأكثر من ذلك يا صديقي .
ماهوكني مرت علي نساء كثيرات من كل الأنواع ....كلهن نتاج ظلم الذكور وتعسفهم .
جاوي إيه ... مازلت اذكر يوم جاءني وكنت مركوناً بإهمال في محل بائع العتيق ....كان نحيفاً في ثلاثينات عمره ومن ذقنه الغير محلوق وهندامه عرفت انه مستوحد كذئب عجوز.... وباعني صاحب المحل بثمن بخس كمن يرد التخلص مني ....حيث إنني كنت شؤماً على محله
ماهوكني وأين كنت قبل ذلك ؟
جاوي أنا... تجميع ... (يضحك) .
زان لقد عرفتك ...أنت من المنبوذين .
ماهوكني كيف تتهم جاوي هكذا ...ألا تخجل ؟
زان اسكتي أنت لا تعرفين شيئا .... لقد اعترف بنفسه .... أراهن أن قوائمه من القصب الرخيص وينسب نفسه دونما حياء إلى الجاوي .
جاوي لا عليك يا عزيزتي فأن نصف كلامه صحيح .
جاوي إيه يا صديقي الكاتب ...كان يجلس ساعات طوال لا اشعر بثقله فيها .فقد كان مقلاً في كل شيء...كلامه وغذائه وحتى نومه وبالمقابل كان الكثير ممنوحاً لقلمه ... كنت استشعر رائحة الكلام وهو يلتصق بالأوراق ويده لا تقف أبدا ... والأوراق تتكوم ... وهو يكتب .. كلمات وكلمات شكلت كل عالمه من روايات وقصص .ملأى بالجروح والغضب من خيبات متواليات وجحود وإنكار وتهميش ... إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كان خاتمة زمانه و.. رحل .. أين أنت يا صديقي .. أنا افتقدك حقاً .. افتقدك .
(صوت المتظاهرين مع صوت اطلاقات رصاص)
(إظلام)