فى عالم اصبح منهكا بضجيج الالة والتروس وبات منغمسا فى بحر التقنية والرقائق التكنولوجية الحديثة حتى اصبح كل شى يتم التعامل معه عن بعد وباللمس الخفيف والغير مباشر ,غابت وتلاشت حرارة المشاعر الانسانية وانزوت الاحاسيس جانبا وشكلت الثورة التكنولوجية نوعا جديدا من الحياة
.. يختلف كثيرا عن تلك الحياة التى عاشها الاجداد فى تواصل انسانى ..
لا تواصل تقنى عبر الاسلاك والهوائيات .. والدارس للفرق بين الحياتين يدرك ان ثمة شىء يعوق التقدم الانسانى يوازى تماما ذلك التقدم الملموس فى مختلف علوم العصر ان لم يكن نتيجة له !! والعجب كل العجب لتلك العقول البشرية المبدعة والتى تلهث وراء التقدم الصناعى والاقتصادى وتهمل التقدم الانسانى واعنى هنا تقدم الحياة النفسية والروحية للبشر
.. بل وتتمادى فى هذا التقدم المعلوماتى على جميع الاصعدة مغيرة على كل مظاهر الرقى الروحى للانسان متجاهلة لعظم واهمية ترقية المشاعر والاحاسيس البشرية او بالاحرى المحافظة على فطرتها السليمة وتدعيم اواصر التماسك الوجدانى السليم للنفس البشرية وكل ما يحيط بها وتتعامل معه ..
ومن هنا اتجهت بعض الدراسات من خلال علمى النفس والاجتماع لدراسة السلوك البشرى فى ظل متغيرات العصر الحديث ومنذ زمن بعيد وهذه الدراسات تخرج لنا اطروحاتها المختلفة لكيفية ممارسة الحياة بشكل يحفظ لنا التوازن النفسى ويحقق الاستقرار الروحى المنشود .. الا انه ظهر مؤخرا شىء اهم الا وهو العناية بالمشاعر الانسانية ودراسة كيفية التعامل معها وتنقيتها من الشوائب وفتح قنوات اتصال جديدة بين تلك المشاعر القابعة فى اعماق الوجدان وكل مظاهر السلوك البشرى
.. وهذا ان دل على شىء فانما يدل على رغبة الفطرة الانسانية السليمة فى ان تعيش حياتها بهذه الصفة الجميلة والخلق الاصيل فى النفس البشرية ..
حيث وضوح ما يسمى بذكاء المشاعر وقدرتها على التعرف على الاحداث وتقنينها ومبادلة الاخر رأيا برأى وحجة بحجة وحبا بحب او العكس ولعل التجارب الشخصية على بساطتها لتؤكد لنا ذلك فكم من مرة اخذتنا مشاعرنا الى ما نريد وابعدتنا مرات اخرى عن اشياء كنا نعدها من المباهج والمسرات .. وهذا الفعل الذى يجعلنا نتصرف بشكل ما تجاه اى تصرف او سلوك للاخر
.. هو بعينه ما يسمى بالادارة بالقلب ..
الذى اكده الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم منذ اكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان عندما احال احد التابعين له الى قلبه ليستفتيه
.. اى ذكاء او تفكير للقلب حتى تستفيه وتطلب منه المشورة فيقدمها لك ويوجهك الى الصواب ..
نعم ان القلب والمشاعر المحيطة به ليشكلان وحدة حاسوبية فى منتهى الذكاء وانهما ليعملان معا على تجاوز المعادلات الرياضية الجافة فى حساباتنا ورؤيتنا للامور والمشكلات
.. ولعل القرأن الكريم فى كثير من أياته البينات قد حثنا على التفكر والتدبر بقلوبنا فى اكثر من موضع ..
وانك لتعجب من هذا النداء لاستخدام القلب كأداة مفكرة ولدعوة المشاعر الى هذا النوع من التداول المفكر ونسبتها الى الذكاء .. لكن الحقائق تتثبت يوما بعد يوم ان الادراة بالقلب وتذكية المشاعر واستخدام هذا الذكاء فى تسيير مجريات الامور اصبح امرا لا مفر منه فى ظل صخب الميكنة وسكينة التقنية العالية .. فها هى المشاعر الانسانية تعود بقوة وعلينا ان نمنحها الذكاء وان نكبح جماح الذات ونتراحم وان نرى بقلوبنا حقائق الاشياء وبهجتها فالعيون عمياء عن كل ما هو اصيل كما قال انطوان دى فى رائعته الامير الصغير.. ثم انه بات من الضرورى ان نعايش المشاعر الانسانية المفقودة وان نعلى من شأنها مثلما امعنا النظر فى التفكير ومنحناه التقدير والاحترام فاصبحنا مترفين بقدراتنا العقلية ومرفهين ايضا بنتائج هذا التكريث المتضاعف للقدرات العقلية
.. وها هو الوقت قد حان لتكريث القدرات الهائلة للمشاعر حتى يتثنى لها ان تدلى بدلوها فى المحيط الانسانى ولعل هوراس والبول كان قد عنى ما يقوله وهو ينشد جملته الشهيرة ( الحياة ملهاة لمن يفكر , مأساة لمن يشعر ).. بمعنى ان الشعور يعقلن المسألة اكثر بل ويجعل الامر اكثر تفاعلية ويضفى على الحدث نوعا عميقا من الاهمية والاثارة وعليه فكثيرا ما ارتكب الاذكياء حماقات لا تغتفر فى حق المشاعر بما وصفة دانيال جولمان بانه حمق الاذكياء ..
اولئك الذين تتعامى بصائرهم وتغيب قلوبهم عن روح الحياة وبهجتها الكامنة فى التواصل الانسانى المبدع روحا مبدعة وتجانسا خلاقا .. فهيا الى منهج جديد فى تعملاتنا نستمد اصوله من فطرتنا السليمة لننطلق نحو ادارة من نوع مختلف .. ادارة تأخذ بالعلوم الحديثة وتنصّب القلب مراقبا اعلى للممارسات بكل انواعها فى المنزل وفى العمل وفى الشارع ايضا .. ادارة لشئون حياتنا مفعمة بذكاء الفطرة .. ذكاء المشاعر .. لتحقيق تواصل اسمى للحياة البشرية على الارض
----------------------------------------------------------------
عارف ان الموضوع طويل ومرهق بشدة .. بس مهم جدا جدا جدا
اتمنى الاقى مشاركة تحسسنى ان لسه فى مخلوق اسمه (( انسانة )) لانى افتقدت الانسانة دى
الرئيسية 
