* الوفد: هل هذه المفاعلات بعيدة عن المخاطر النووية؟
ـ د. عزت: أولا هذه المفاعلات تستخدم المياه كوقود وهى مادة غير استراتيجية، ومن ناحية أخرى فإن الاندماج النووي لا تنتج عنه اشعاعات خطيرة، أو حتى تقع بها حوادث نووية كإنفجار المفاعلات والطاقة التي تتولد، وتصل قدرتها إلى عدة آلاف من الطاقة المولدة من الانشطار النووي التي نتكلم عنها. وهذه المفاعلات لها ميزات كبيرة حيث نجحت بالفعل في الخروج إلى حيز الواقع العملي بتصنيع أول مفاعل نووي وتجرى محاولات أخرى لتصنيع مفاعلات أكبر في سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية وعندما تتحول هذه المشروعات إلى مشروع تجاري سيمكن الحصول عليها من السوق العالمية. وأذكر هذا المشروع على وجه التحديد لأنني أخشى أن يفوتنا عصر مفاعلات الإنشطار النووي ويأتي علينا عصر مفاعلات الاندماج النووي بعد أن بدأ تصنيعه في سويسرا بتعاون بين الدول الأوربية جميعا واليابان وانضمت إليها في آخر المطاف الولايات المتحدة. وهو مشروع ضخم لأنه أول مفاعل من نوعه ولكن سيتاح للجميع.
* الوفد: لو كلفت الآن بتنفيذ مشروع إقامة المحطات النووية، كم تحتاج من وقت ليتحول هذا المشروع إلى واقع ملموس؟
ـ د.عزت: هناك عدة عناصر لتنفيذ هذا المشروع وأولها الكوادر الفنية الجاهزة للعمل وتجميع الكوادر المتخصصة بما فيها استدعاء الخبرات المصرية التي هاجرت إلى الدول الغربية بعد توقف المشروع في ثمانينات القرن الماضي، وهم معروفون وسيرحبون بالمشاركة في هذا المشروع إذا تأكدوا أن البرنامج النووي المصري أصبح أمره جديا حتي لا يحدث لهم كما وقع من قبل. وهناك بنية أساسية في مصر تتمثل في الهيئات النووية لأن المفاعل أو المحطة النووية نطلق عليها مشروعات متعددة التكنولوجيات. وفي بداية الأمر نحتاج إلى دعم الامكانات النووية المرتبطة بالتصنيع النووي. وفي هذا الإطار لابد أن نستعيد ذاكرتنا وأوراقنا القديمة التي أجريناها في الثمانينات وقتما كان هناك حماس فعلي للدخول في المشروع النووي، وأجريت دراسات مكثفة عن أجزاء المفاعل النووي التي يمكن تصنيعها في مصر والشركات التي يمكن أن تشارك في عملية التصنيع. لابد أن نستيعد هذا الكلام لنعرف التغيرات التي طرأت على هذه الأماكن وكيف ندعم هذه الصناعات بالإضافة إلى الاستعانة بالخبرة الأجنبية المتمرسة في هذا المجال. وعموما المحطة النووية الكبيرة التي تترواح قدرتها ما بين 1000 و1500 ميجاوات تحتاج ما بين 10 ـ 15 سنة لكن بمجرد إنشاء المحطة أو الوحدة الأولي ستكون قد تأسست قاعدة تكنولوجية وصناعية يمكن الاستفادة منها في تصنيع مزيد من الوحدات وتصبح التكلفة أقل.
* الوفد: هل نستطيع أن ننفذ البرنامج النووي بعد بدأ جيل عمالقة الطاقة الذرية في الانقراض، وهرب الكثير من تلاميذهم إلى الخارج.
* د.عزت: جيل الرواد الأوائل توفاهم الله وهم الذين أدخلوا المجال النووي البلاد قبل عام 1950، ونحن بدورنا من بقايا هذا الجيل الذين استفادوا من الدراسة في الولايات المتحدة في منتصف القرن الماضي، حيث درسنا في معهد أرجون وهو أكبر مركز متخصص في المعجلات التي تولد القذائف الذرية والطاقة العالية بسرعة الضوء وتخصيب الوقود النووي. ورغم أن التكنولوجيا النووية تطورت تطورا مذهلا والكوادر الموجودة حاليا ليست مثل التي دخلت المجال النووي من قبل، مع ذلك فإن مصر بها قاعدة علمية نووية رصينة تتمثل في وجود ثلاث هيئات نووية وهي: هيئة الطاقة الذرية التي تتكون من 4 مراكز بحوث (البحوث النووية في أنشاص ـ وبحوث تكنولوجيا الإشعاع بمدينة نصر ـ المركز القومي للأمان النووي الذي يضطلع بأمان المصادر الإشعاعية والمنشآت النووية ووضع التشريعات لها ـ ومركز المعامل الحارة«، وهي المختبرات التي تتولى التخلص الآمن من النفايات المشعة الصلبة أو السائلة. وبهذه البنية الأساسية من الهيئات النووية والخبرة التي تراكمت على مدى أكثر من نصف قرن وهو نفس التوقيت الذي دخلت فيه الطاقة النووية الهند التي سبقتنا وبنت حاليا 10 مفاعلات نووية أغلبها تم على أيدي خبرائها الوطنيين. ولا ننسي أن لدينا كوادر عاصرت البرنامج النووي المصري في الثمانينات وما قبلها وأغلبهم قد غادر البلاد للعمل في الخارج. وتبقى الحقيقة، وهي أن هيئة المحطات النووية مازالت قائمة التي توجد بها خبرات عالية مدربة على مستوي راق. وكانت الدولة قد اختارت موقع المحطة النووية الأولى في الضبعة بعد إجراء دراسات دقيقة جدا لاختيار الموقع، منها قربه من مصدر مياه التبريد ومراعاة اتجاه الرياح وبعيدا عن الزلازل وعدة اعتبارات تكلفت ملايين الدولارات. وخصص الموقع والجاهز للعمل حاليا بعد أن اتخذت الدولة قرارا للدخول في البرنامج النووي عام 1986 لبناء عدد من المحطات النووية تصل إلى 8 وحدات بحلول عام 2000 والتي لم يكتب لها النجاح حتى الآن.
* الوفد: هل نستطيع أن نحدد نسبة التصنيع المحلي في المحطة النووية الأولي؟
ـ د.عزت: هناك نسبة لا بأس بها يمكن تصنيعها محليا وخصوصا الأجزاء غير النووية في قلب المفاعل ربما الوقود مثلا ومع الوقت نستطيع أن نصنع الوقود النووي على نطاق واسع. وهذه الخبرة موجودة لدينا وبديهي أن نستعين بالوكالة الدولية للطاقة الدولية في اكتساب هذه الخبرات.
* الوفد: ما هي أهم الدول التي تشتهر بصناعة المفاعلات النووية وكيف نخرج من الوقوع في التبعية النووية لدولة ما؟
ـ د. عزت: أي دولة أو شركة مصنعة للمفاعلات ستعتمد بلا شك على شركتين رئيسيتين وهما: »جنرال ألكتريك« و»وستنجهاوس« الأمريكيتان. والأولي تصنع مفاعل الماء المغلي والأخري بالماء الخفيف. وأي شركة منهما تستطيع بناء هذا المفاعل بالإضافة إلى أن جنوب أفريقيا لديها خطة تبدأ في عام 2007 إنتاج جيل جديد من المفاعلات الصغيرة تصل قدرته إلى 110 ميجاوات. وهذا المفاعل يمكن تكرار وحداته لأنه صغير الحجم.
* إذن ستظل الولايات المتحدة هي المتحكمة في مصير البرنامج النووي؟ ـ د.عزت: لو كانت النوايا خالصة سيتم تنفيذ البرنامج. وعلى كل حال سنلجأ إلى الولايات المتحدة في حالة تصنيعنا المحطات النووية لأنها المكان المختص بهذه التكنولوجيا والمهيمنة على توجهاتها في العالم. وتوجد أيضا دول أخرى تصنع المفاعلات مثل كندا التي تصنع مفاعلات »الكاندو« وهو مختلف عن المفاعلات التقليدية التي تستخدم الماء الثقيل كمهدئ ومبرد للمفاعل وهو يتميز بأنه يمكن استخلاص كميات بلوتونيوم أخرى من الوقود المحترق بما يعني أن الدولة التي تكون لها أهداف استراتيجية أخرى مثل الهند يمكنها أن تستخدم البلوتونيوم في الصناعات العسكرية. وهذا المجال لا يمكن لمصر أن تقتحمه لأن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية كبلتنا ومنعتنا من أننا ندخل المجال النووي العسكري.
منقول من جريدة الوفد