ـ د. عزت: إذا كانت نوايا أمريكا صادقة في إعطاء موافقة أو ضوء أخضر أو السماح لمصر بأنها تدخل هذا المجال فهذا سيساعدنا على الانطلاق نحو تنفيذ البرنامج. ونحن نعلم أن الولايات المتحدة هى التي تقبل أو ترفض أن يدخل أحد هذا المجال، فهي التي ترفض أن تدخل إيران في التكنولوجيا النووية لمجرد أنها تقوم بتخصيب اليورانيوم، مع أنه حق أصيل لها باعتبارها موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وباعتبار أنه لم يتأكد ـ وهو طبقا لتصريح محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ـ أن ايران لها استراتيجية نووية عسكرية، وأن الوقود النووي الموجود لديها للأغراض السلمية. ومع ذلك هناك إصرار من أمريكا أن توقف تخصيب اليورانيوم الإيراني. طيب أمريكا لما تصر على هذا مع ايران لماذا تتجاهل دولة أخرى وهي إسرائيل لا تمتلك فقط القدرة على تخصيب اليورانيوم بل لديها ترسانة أخرى من الأسلحة النووية تقدر بنحو 200 إلى 300 رأس نووي وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك السلاح النووي ولا تقدر على محاسبتها.
* الوفد: ألا يتعارض هذا المشروع مع رغبة مصر في أن تكون المنطقة خالية من الأسلحة النووية؟
ـ د. عزت: شعارنا الذي رفعناه بأن الشرق الأوسط يكون خاليا من الأسلحة النووية غير مطبق على أرض الواقع لأنه من غير المعقول أن يكون خاليا في ظل وجود دولة لديها هذا الكم من الأسلحة النووية. وكون أن مصر من حقها أن تختار أو ترى التكنولوجيا المناسبة للمحطات النووية فهذا حقها خاصة أن برنامجنا سلمي ولا نستطيع أن نحوله إلى مشروع عسكري حيث إننا موقعون على اتفاقيات دولية كبلتنا في هذا الأمر، وأنه يوجد حاليا مفاعلات تناسبنا وهى مفاعلات متأصلة في الأمان ولها مميزات أخري في قلة التكلفة وسهولة التحكم فيها.
* الوفد: ما هو شعورك كخبير نووي عندما سمعت ما طرحه الرئيس ونجله حول المشروع النووي؟
ـ د. عزت: في الحقيقة كنت سعيدا جدا عندما طرحا هذا الموضوع على الملأ على الأقل لم يعد هناك »البعبع« الذي يحظر الكلام عن البرامج النووية. وعندما ستنشر هذا الحوار سيكون هذا مثار إعجابهم بأن الناس بدأت في الكلام عن هذه القضية ووجود ناس متحمسة لهذا المشروع. واعتبرت أن هناك ضوءا أخضرا وأملا أن يكون لدينا هذا المشروع ولكن هذه السعادة أو الفرحة لن تتم إلا بالتأكد من جدية هذا الكلام وأنه ليس وراءه أية أغراض أخرى.
* الوفد: تكلمت الحكومة كثيرا عن وجود احتياطي هائل من الغاز الطبيعي وطمأن وزير البترول الناس عدة مرات بأن لدينا ما يكفينا من مصادر الطاقة فهل هذا القول تغير وجعلهم يبحثون عن بدائل للطاقة؟
ـ د.عزت: المصادر التقليدية حاليا هى البترول والفحم والغاز الطبيعي. والفحم له آثار سلبية جدا لوجود انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وهو ملوث جدا للصحة العامة. وينطلق من محطات الفحم، وهى الأكثر انتشارا في العالم حوالي 6 مليارات متر مكعب من الكربون في السنة وإذاحسبنا ذلك على مستوى التعداد السكاني في العالم نجد أن كل إنسان يصل نصيبه من هذا التلوث الي حوالي متر مكعب من الكربون تقريباً. وإضافة إلى الآثار البيئية الخطيرة التي تواجه الإنسان من استخدام الفحم فإن التخلص من مخلفات الفحم مشكلة، علاوة على وجود نقطة خطيرة جدا ربما تغيب عن الكثيرين، وهي أن الفحم شديد الإشعاعية، وأكثر إشعاعية من الوقود النووي الذي تؤخذ اعتبارات صارمة في تصميمه. ويعد الفحم أكثر خطورة من أيضا من ناحية أخرى وهو أن اليورانيوم من أحد مكونات فحم المناجم حيث يوجد في تركيبة تربة المنجم نفسه الذي يحتوى على بقايا اليورانيوم المشع وبذلك يكون الخطر فيه كامنا. وبرغم أن الفحم موجود على نطاق واسع جدا في الكرة الأرضية خاصة الولايات المتحدة التي تمتلك أكبر مخزون من الاحتياطي له على مستوى العالم وهو الذي دعاها إلى التوسع في استخدامه على نطاق واسع في توليد الكهرباء ولكن بعد أن أدركت أن الفحم ملوث للبيئة وأن هناك غازين خطرين وهما أوكسيد الكبريت وأوكسيد النتروجين ينبعثان منه. ومع وجود تكنولوجيا تمكن من التخلص من هذه العنصرين الخطرين إلا أن التكلفة عالية جدا بدأت تبحث من جديد عن طاقة غير ناضبة لا تؤثر على البيئة.
* الوفد: لماذا الطاقة النووية.. ألا توجد بدائل أخري مقبولة بيئيا واقتصادياح؟
ـ د.عزت: تعتبر الطاقة النووية نظيفة نسبيا بالنسبية لغيرها من الأنشطة الصناعية وغيرها، حيث إن الدراسات أكدت أن أكثر المخاطر التي تنقص من عمر الإنسان هي:التدخين وتتدرج إلى حوادث الطيران والطرق وفي النهاية نجد الطاقة النووية لأن معايير الأمان في الطاقة النووية معايير صارمة بالنسبة لمصادر الإشعاع والكوبلت وغيرها. وفي تصميم المحطة يوجد ما يسمى بمصادر الأمان المتعددة لمنع التسرب الإشعاعي ولضمان عدم حدوث أي مخاطر اشعاعية. ويكون الوقود الموجود في قلب المفاعل في داخل تنك« من الصلب وتحيط به بحيرة من الماء كمادة عازلة، وبعد ذلك تنك آخر من الصلب وفي النهاية يكون المفاعل كله يحاط بمنى حاو يتكون من حوائط خرسانة مضغوطة بعرض متر ونصف المتر بحيث اذا اصطدمت بقلب المفاعل طائرة طراز 707 بأقصى سرعتها لا يتأثر المبنى. وهذه الحواجز المتعددة يتم تجربتها لتحقيق الأمن من العمق.
* الوفد: أليست هذه الإجراءات كانت متخذة في مفاعل تشرنوبيل الذي انفجر عام 1986؟
ـ د.عزت: رغم أن هذا الحادث كان مؤثرا إلا أنه كان شماعة علق عليها عدم تنفيذ مشروع البرنامج المصري لتوليد الطاقة النووية. وفي الحقيقة فإن تصميم مفاعل تشرنوبيل لم يكن تصميما جيدا يراعى فيه عوامل الأمان. والتجربة الغبية التي أجريت عليه وكانت سببا في الحادث تتعلق بخطأ بشري وآخر فني من الأجهزة بالمفاعل نفسه. وارتبط هذا الحادث بآخر وقع في الولايات المتحدة عام 1979 في ولاية بنسلفانيا التي نبهت لجنة الأمان النووي في الولايات المتحدة NCR إلى تفادي أو إصلاح وإعادة تصميم المفاعلات ووضع معايير جديدة أكثر صرامة من ذي قبل بحيث يندر أن يتكرر أو يحدث حادث تشرنوبيل أو ثري مايلد أيلاند في بنسلفانيا. العامل الآخر المطمئن أنه حدث تطور كبير في تصنيع أجيال جديدة من المفاعلات. وأهم هذه الأجيال يعرف بالمفاعلات متأصلة الأمان النووي التي تتميز بأنها ذاتية الدفاع عن نفسها ضد حدوث المخاطر حيث يدافع المفاعل عن نفسه، ويغلق معداته تلقائيا ولا يحدث أي مخاطر أو تلف في المفاعل نفسه. والميزات الأخري تتمثل في صغر المفاعل حيث يشغل نصف المساحة للمفاعل المشابه له في المفاعلات التقليدية، ويعمل به نصف عدد الأفراد أيضا. وقطع المفاعل نمطية التصميم بحيث يمكن معالجة أى خلل يطرأ على المفاعل وتكرار تركيبة المفاعلات في نفس الموقع أو في أي أماكن أخرى. وتصل قدرة الوحدة بهذه المفاعلات إلى 600 ميجاوات. وأعتقد أن هذه النوعية من المفاعلات هي المناسبة للمنطقة العربية والمصرية بصفة خاصة، حيث يمكن أن تستوعب الشبكة المصرية مفاعلات متوسطة الحجم بينما يصعب أن تستوعب مفاعلات أكبر التي تصل قدراتها إلى 1500 ميجاوات لأن شبكتنا الكهربائية ليست كبيرة لتستوعب هذه الطاقة في نقطة توليد واحدة. واعتبر أيضا أن هذه المفاعلات ستكون مجدية لمصر حيث يمكن أن تقام في أكثر من منطقة بالمحافظات.
* الوفد: هل الطاقة النووية أصبحت الملاذ الأخير لمصر في توفير طاقة بديلة للمستخرجة من البترول أم أن هناك مشروعات أخرى مثل توليد الكهرباء من المساقط المائية في منابع النيل أو الطاقة الشمسية؟.
ـ د. عزت: توجد فلسفة تعتمد على تنويع مصادر الطاقة حيث يتم الاستعانة بكافة هذه الوسائل جميعها في تدبير الطاقة للدولة ويضاف إلى مصدر غير ناضب أكثر جدوى أقل تكلفة على المدى الطويل وهذا موجود في الطاقة النووية. و في الطاقة النووية حاليا انطلاقة علمية كبرى لم تستخدم على نطاق تجاري حتى الآن، وهى خاصة بطاقة الاندماج النووي، التي تتم عن طريق نظير الأيدروجين ويسمى الديتريم الموجود في النواة لذرة الأيدروجين، حيث تجرى عمليات الاندماج النووي لتوليد طاقة رهيبة توازي الطاقة المولدة في الشمس التي تعتبر أكبر مفاعل يعتمد على الاندماج النووي خلق طبيعيا. ونحن في مصر لدينا قسم خاص للاندماج النووي على البارد بينما نحتاج إلى الاندماج النووي الحار. وهذا الفرع من الطاقة يعتمد على الديتريم المستخلص من المياه العادية. وكل 6000 ذرة ايدروجين بها ذرة واحدة ديتريم، وهناك وسائل كيميائية لاستخلاص الديتريوم. وصدرت بحوثا عن الاندماج النووي في كافة أنحاء العالم ونجحت 3 معامل في انتاج مفاعلات الاندماج النووي والمعروف باسم إتير ITAR وهي اختصار المفاعل الحراري النووي الدولي والتي اشتركت فيه مجموعة الدول الأوروبية واليابان وأمريكا. وعلى مدى حوالي 15 عاما منذ بداية التصميم إلى التشغيل لهذه النوعية للمفاعلات انتهى تصنيع المفاعل في فرنسا وبدأ التشغيل لهذا المفاعل الجديد.
منقول من جريدة الوفد