منتدي شباب المسرح
عزيزي الزائر انت غير مسجل لدينا.سجل حتي تتمكن من مشاهدة كل الأقسام ..اقسام الأفلام والأغاني و الموسيقى وكل المواضيع(التسجيل يأخذاقل من 30 ثانية)
منتدي شباب المسرح
عزيزي الزائر انت غير مسجل لدينا.سجل حتي تتمكن من مشاهدة كل الأقسام ..اقسام الأفلام والأغاني و الموسيقى وكل المواضيع(التسجيل يأخذاقل من 30 ثانية)
منتدي شباب المسرح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي شباب المسرح


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 طين وزجاج

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ايوب الغرام
عضو مهم داخل المنتدى
عضو مهم داخل المنتدى
ايوب الغرام


عدد الرسائل : 101
عدد نقاط نشاطك في المنتدي : 79517
تاريخ التسجيل : 20/11/2009

طين وزجاج Empty
مُساهمةموضوع: طين وزجاج   طين وزجاج Emptyالإثنين 20 يونيو - 22:53

طين وزجاج
تأليف :فاطمة المزروعي


اعتمدت الفصحى بنسبة أكبر مع تطعيم باللهجة المحلية للإمارات وغيرها حسب أصول الشخصيات ، وبشكل عشوائي مرات وبلا قانون واضح ، لأؤكد على نفس فكرة الطين والزجاج والصراع بينهما .
وقد يراعي من يريد إخراج المسرحية هذا بشكل واضح أكثر ومبالغ فيه، فسوف يضفى من خلال حوارات الشخصيات نكهة درامية مفيدة، حتى اللعب دراميا على الأخطاء اللغوية.

المؤلف


الفصل الأول

( غرفة بسيطة , طاولة خشبية . وكرسي خشبي . جدران الغرفة مبنية من الطين . سلة كبيرة من القش, ويوجد في احد الزوايا تنور الخبز ).

يدخل رجل بملابسه المحلية ويقف وسط الغرفة ويمسح العرق بكم قميصه.
ويحدث نفسه:
اليوم العمل شاق, إنشاء الله بكره يثمر هذا العمل.
(فجأة يدخل رجل بملابس مرتبة وأنيقة ، يدور في البيت، والرجل الآخر ينظر إليه بدهشة. يتوقف الرجل ..
وينظر إلى صاحب البيت ويشير بإصبعه ):
- أنت يا هذا ؟
- أنا!
- نعم أنت.
- ما اسمك
- لماذا؟
-حتى أناديك باسمك
- سمني ما شئت
- إلا يوجد لك اسم ؟
- تدخل منزلي هكذا فجأة , وتسألني عن اسمي
- - نعم, قل ما اسمك, وأخبرك من أنا
- سمني ما شئت , سمني طينا
- طين , ويضحك الرجل كثيرا
- ثم يقول ساخرا:
إذا كنت طين, فأنا زجاج
طين: حسنا يا سيد زجاج ماذا تريد؟
(صوت محركات الجرافة)
زجاج: أحضرت لك السعادة
طين : سعادة , أكثر من السعادة التي أعيشها الآن
( يدور الزجاج حول الطين وينظر إليه باشمئزاز )
زجاج: إي سعادة
(يدور الطين حول الزجاج.)
ويقول (باعتزاز): سعادة لا تعيشها أنت
الزجاج: حقا بهذا البيت, وبهذه الثياب
الطين: نعم بهذه الثياب وبهذا البيت
( يرتفع صوت جرافات قليلا )
الزجاج: لكني حضرت, لكي أعطيك سعادة, لم تعشها أبدا
الطين: وكيف تكون السعادة التي سوف تهبها لي يا سيد زجاج ؟
( يخرج الزجاج من جيبه ورقة ويضعها أمام عين الطين )
الزجاج: هل ترى هذا؟
الطين باستغراب: ما هذا؟
الزجاج: هذا برج
الطين: برج
الزجاج: نعم برج
الطين (ساخرا): وهل السعادة تساوي برجاً الآن؟
الزجاج (يقترب من الطين متوددا):
يا صديقي, لديك زوجة وأولاد، سوف يكبر الأولاد ويتزوجون سوف يبحثون عن مسكن أكبر..
الطين ( ينظر بشك نحو الزجاج ): وما علاقة البرج بأولادي
الزجاج (مبتسما ): آه, هذه هي السعادة
الطين (متأففا ): رجعنا للسعادة
الزجاج (مره أخرى بتودد): لديك في البيت حجرتين, حجرة للأولاد.
(يصمت, ثم يغمز) وحجرة لك ولزوجتك
( يهز الطين رأسه)
ويتابع الزجاج قائلا:
- في هذا البرج ( ويشير بأصبعه نحو الورقة ) سوف تعيش أنت وأولادك في بيت أكبر
الطين (بدهشة): أنا أعيش في هذه البرج
الزجاج (مبتسما): وأولادك
الطين (متسائلا بعفوية): هل ربحت جائزة؟
الزجاج (مندهشاً): جائزة! - ثم يستدرك - طبعا .. طبعا .. جائزة كبيرة
" صوت محركات الجرافة يرتفع "
الطين: أنت تسخر مني؟
الزجاج (يحاول أن يتودد أكثر لطين): لا.. لا .. لا احد يسخر منك ..
(يمشي الزجاج قليلا, وتبدأ في لكنته جدية أكثر)
زجاج: هذا البيت طيني قديم, مليء بالحشرات والأوساخ
الطين غاضبا: بيتي؟
الزجاج (يقاطعه ): في البرج هذا نعطيك شقة واسعة نظيفة, يحيطك الضوء والزجاج من كل مكان
الطين (متشككا): ستعطيننا هكذا دون مقابل؟
الزجاج (يقترب من تنور الخبز ويقول):
لن تحتاج لهذا التنور، سنعطيك فرنا أمريكيا
الطين (يقترب من التنور ويقول) : وهل تصنع خبزا أمريكيا أيضا؟
الزجاج (يبدو عليه الانزعاج من عناد الطين ):
سوف نهدم بيتك ونبني عليه البرج
الطين (بصوت عالي, يطغي على صوت الجرافات) :
تهدم بيتي
الطين (يدور في أرجاء الغرفة بغضب ويقترب من الزجاج):
- من أنت؟
الزجاج: أنا جالب السعادة والرفاهية.
الطين: أي رفاهية, على رؤوس سعادتنا
الزجاج (صارخا):
- أنت رجل قديم , متخلف جاهل . انظر حولك, انظر, إلى العالم الآن, وأنت مازلت تعيش وسط هذه البيت الطيني العتيد, وهذا التنور, والكرسي الخشبي المتآكل , وملابسك التقليدية، هيه يا رجل تمدن .
الطين (ضاحكا) :
- أتمدن .. أي تمدن هذا لكي أهدم بيتاً على الآخرين .
(يزداد صوت الجرافة قوة وقوة) .
الزجاج (يصيح) :
- بفلوسي اقدر ابني واهدم . أنت لا تعرفنا .
الطين (يرفع صوته) :
- لن تزحزحني من بيتي .
زجاج يلتفت نحو طين, ويبتسم بخبث ويخرج مهرولاً.
طين صارخا :
- لن أتركك تهدم كل شيء جميل, ستجدني كظلك. كظلك.




يسدل الستار


الفصل الثاني

المشهد الأول



الظلام يخيم على المسرح , ثم يضيء فجأة على أحد زواياه , ونرى طين جالسا وبجانبه زوجته , واضعاً يده على خده ويفكر.
الزوجة:
- ما لنا حل يا بو حمد .
الطين متأففاً:
- الحل عند الله .
الزوجة:
- وأولادك.
الطين:
- هل ينقصك شيء يا امرأة.
الزوجة:
- البيت
الطين صارخا:
- البيت. البيت. إلا يعجبك هذا البيت .
الزوجة:
- لقد خيروك, بين المال والسكن الجديد.
ينهض الطين غاضبا ويمشي ذهابا وإيابا وهو يردد :
- ولو خيروك بين بنتك وبنت الجيران, أيهما تختارين.
يقترب من زوجته .
طين :
- هيا يا حرمه تكلمي, أيهما تختارين.
لكن الأم تلتزم الصمت.
طين :
- انظري, أنهم الآن في الدور الأخير " ويشير بيده نحو الإمام " هذا البرج لن يعيش طويلا.
الزوجة:
- لكن يا بو حمد فكر بالأولاد .
يجلس طين , وهو يردد صارخا :
- رجعنا للأولاد, أنا كل هذا اعمله من أجلهم, من أجل أولادي, وأولادهم. أن سكتنا اليوم، سوف نسكت بكره وبكره. ونفقد هويتنا, انظري حولك, كل يوم نفقدها, امشي بالشارع ولا أعرف كيف أميز بين ابن بلدي, وابن الغريب.
تهز الزوجة رأسها .
يتابع طين قائلاً بغضب:
- هل تعتقدين أنه أصبح لنا مكان.. إن العزة والكرامة لا تأتي بعمارة كبيرة كهذالبرج, , أو ببيت صغير مصنوع من الطين أو بخيمة كهذه , أنها تأتي بوجودنا كبشر. بتربيتنا لأولادنا تربية صحيحة لحب الوطن والأرض .. ماذا تريدين ؟! أن يكبر أولادنا مثل ذاك الشاب
ويعمل على الهدم والهدم والهدم .. و
تقاطعه زوجته :
- يا أبو حمد .. كلامك زين الرجال , لكن فكر بالأولاد , أنا جاهلة ,ولأولادنا وأولادهم عالم آخذ بالتطور, البيت الصغير أصبح بيتاً كبيراً , والبيت الكبير أصبح عمارة , والعمارة أصبحت مثل ذاك البرج , وأولادنا ما شاء الله كبروا وكل واحد يريد له غرفة , وبيتنا كان لا يكفينا .. والفلوس اللي يعطينا الريال نبني فيه بيت كبير لنا ولأولادنا وأولاد أولادنا .
يقاطعها طين صارخا غاضبا:
- ما هذا الكلام يا أم حمد , من يسمعك يقول أني مقصر مع الأولاد , أولادنا كلهم في المدرسة , وابنك حمد كمل الجامعة واليوم موظف, أنت عارفة بأننا حرمنا أنفسنا علشانهم , سيكبر الأولاد وكل واحد يشق طريقه بنجاح ويعمر بيته بنفسه .
تلتقط زوجته كلامه الأخير وتهتف :
- آه .. انت قلت هذا , يكبر الأولاد ويعمر كل واحد بيته . وذاك الشاب كبر وهو الآن يعمر بيته .
طين :
- ما هذا الكلام يا حرمه , ليعُمر بيته بجهده وعرقه , وليس بجهد الآخرين , ذااااك الشاب معول للهدم . سأجعل من أولادنا معولا للبناء .
زوجته :
- أنت رجل عنيد .
يهم بوحمد بالخروج قائلا :
- أنا خارج إلى المقهى



المشهد الثاني


فجأة يخيم الظلام , ثم تضئ الزاوية الأخرى من المسرح , حيث نجد زجاج وحسون واقفان , ويحمل حسون مسطرة هندسية طويلة بيد , وورقة ملفوفة بيده الأخرى.
حسون :
سيدي, أيام قليلة وتستلم البرج.
زجاج:
أحسنت حسون . أنت اثبت لي إنك مهندس شاطر.
تظهر الفرحة في وجه حسون :
- نحن هنا يا سيدي في خدمتكم .
ويتابع حسون قائلا :
- غدا سوف نبلش في هدم البيوت الطينية . لتوسيع الطرقات كما في المخطط .
زجاج:
- والسكان, هل اتفقتم معهم, لا نريد أي تعنت منهم.
حسون :
- والله يا سيدي وجدنا صعوبة, خاصة إنه ذاك الرجل كان يحرضهم علينا, لكننا حلينا المشكلة معهم.
زجاج:
- جيد حسون , أنت رجل يعتمد عليه . بإمكانك أن تذهب .
يتردد حسون في الذهاب , ثم يقول باستحياء :
- والله يا سيدي أنا عندي لك طلب بس خجلان .
زجاج:
- تفضل حسون قل ولا تخجل .
حسون :
- زوج أختي عاطل عن العمل . وهو سواق ماهر , لو في أمكانية يعمل معنا في الشركة .
زجاج:
- ولا يهمك حسون .
حسون في استحياء أيضا :
في طلب آخر بس أنا خجلان منك سيدي.
زجاج. مبتسما:
- أنت تآمر يا حسون تكلم .
حسون :
- أخي الصغير تخرج هذا العام من كلية الهندسة. وأريده معي اعلمه أصول العمل, وفي المستقبل تستفيد منه شركتكم.
زجاج:
- بسيطة يا حسون , سوف أكلم سكرتيرتي لتعمل لهما فيزة عمل , لا تقلق. أنت فقط اهتم بعملك.
يخرج حسون فرحا وهو يبالغ في شكر زجاج .



المشهد الثالث



مقهى شعبي بسيط.. حيث نرى بعض الكراسي وطاولات قليلة توزعت على مساحة المسرح, نشاهد بوحمد جالس مع ثلاثة رجال أحدهم شابا في العشرين , هادئا غير مكترث بهم .
يبدأ بوحمد في الكلام بلكنة غاضبة .
بوحمد :
- لازم نعمل شيء.. لن نتركهم يشتتوبنا. .
يرد عليه فيصل وبتنهيده طويلة , وهو أكبرهم سنا .
فيصل :
- أشعر بالعار
" يرفع الرجل الثالث الشاي عالياً, وقبل أن يشربه.
يقول :
- اليوم وصلت لي ورقة, يطلبوا مني إخلاء مسكني.
بوحمد غاضباً :
- يا الله .. أنهم يدمرون كل شيء.
يراقبهم الشاب خلال حديثهم مبتسما بسخرية, يضع كوب الشاي متعمدا بقوة على الطاولة, مما استفز الرجال الثلاثة, ونظروا نحوه بنظرات عتاب.
الشاب:
- هذا هو الفرق بيني وبينكم .
يتبادل الرجال الثلاثة النظرات فيما بينهم, غير مستوعبين حديث الشاب.
" يتابع الشاب كلامه والابتسامة الساخرة لا تفرق شفتيه "
الشاب:
- يستفزكم صوت الجرافة وهي تدك بيوتكم وتشق الطريق .. أما أنا ..!

يقاطعه بوحمد :
- أنت ماذا .
الشاب بصوت موسيقي :
- أنا.. أرى فيها الحاضر ومستقبلنا نحن. .أنا. .. وليس أنتم.
" ويترك أصبعه تدور عليهم "
الشاب:
- هل تعتقدوا بأننا سوف نعيش طوال الدهر في بيوت من طين.وقناديل, وزريبة أغنام. وسرير من القش مليء بالقمل .. لقد ضجت من كل هذا , أريد أن أعيش في الأعالي , واركب المصعد طالع ونازل , وأتفرج على العالم من فووق ..فوووووق . حياتي كلها مسطحة .. العالم تغير .. وانتم لم تتغيروا.
كان بوحمد ينظر إليه بدهشة كبيرة وفمه فاغر .
بوحمد :
- أبوك سيقتلك لو سمع كلامك.
يهز الشاب رأسه باستهزاء .
الشاب:
- أبي.. انتم كما تعرفونه رجل عنيد وعتيق, , لكنه في النهاية استسلم ورضخ لنا .
فيصل بدهشة :
- استسلم .. دون أن يقول شيئاً.

يرد الشاب دون اكتراث :
- عادي, قال لنا هذه التربة تربتكم. وانتم أحرار.
فيصل :
- أبوك أيها الشاب قال حكمة .
ينظر إليه الشاب بسخرية .
ويقول بتملل :
- حكمة.
فيصل :
- الجندي عندما يحمل عتاده ويذهب للحدود, أليس من أجل حماية أرضه وبيته وعرضه.
يهز الشاب رأسه باستخفاف .
فيصل :
- أبوك قد كبر .. وقد حمى أرضه وعرضه .. والآن يسلم لك الراية لتكمل المشوار.
الشاب ضاحكاً:
- يا شيخنا , نحن ليس في حرب , أي اعتاد وأي أرض وعرض .. انظروا حولكم, , حدقوا جيداً.. أنتم فئة قليلة.سوف تتلاشى بعد سنوات قليلة . ولن يبقى سواهم بسيارتهم الفارهة وأبراجهم الكبيرة وبشرتهم البيضاء الناعمة وملابسهم الغربية .. انتم سوف تختفون تدريجياً .. تدريجياً... لن ابقَ معكم لا أريد أن ابقي مثلكم.. وأصبح فقط ذكرى في كتب التاريخ وأرشيف المكتبات والمتاحف.. انتم فئة قد اندثرت.
يقول ذلك ويهرول خارج المقهى .
يعلق الرجل الثالث بدهشة :
- لقد جن .
بو حمد :
- ليهدي الله هذا الشاب . ماذا حصل لشبابنا .. يا الله سترك ..
في هذه الأثناء يدخل رجل بسحنة أسيوية ويضع على رأسه كوفية بلاستيكية ويبدو عليه التعب, وجلس على أحد الكراسي وطلب شاي .
همس الرجل الثالث لأصدقائه :
- انظروا .. هذا سائق الجرافة التي هدمت بيت عبدالله ,, دك البيت بأقل من ساعة .
قال بوحمد حانقاُ وهو ينظر إلى الأسيوي :
- كم أرغب سحق رأسه بيدي .
ثم أشار بوحمد بيده نحو الأسيوي .
بوحمد :
- هييه رفيق .. أنت
نظر إليه الأسيوي بارتياب وهز رأسه .
بوحمد حانقاً :
- تعال هنا .
الأسيوي بكلمات عربية مكسرة :
- شكرا شكرا .. أنا هنا تمام صديق .
بوحمد مقلدا الأسيوي في طريقة كلامه وحركته :
- أنت مش تمام هناك .. تعال .. هنا تمام صديق .
ويشير بوحمد إلى الكرسي الفارغ .
يتردد الرجل الأسيوي .
فيهتف فيصل حانقا :
- قلنا لك تعال هنا.
فيركض على الفور الرجل ويجلس على الكرسي , ويظهر عليه الخوف والارتباك .
يضع بوحمد يده على كتف الأسيوي .
بوحمد :
- أنت ليش تكسر.
الأسيوي :
- أنا سيدي يقول كسر.. أنا أكسر
الرجل الثالث:
- الله يكسر رأسك .
بوحمد :
- أنت فرحان لأنك تكسر .
الأسيوي :
- أنا فرحان لأنه في فلوس , الحرمة حقي تقول جيب فلوس جيب فلوس .
يضرب بوحمد كتف الأسيوي .
بوحمد غاضباً :
- أنت تفرح ونحن نبكي .. قم من عندك وإلا قطعنا يدك .
" يهرول الرجل إلى الخارج .
بو حمد قائلا لأصدقائه :
- الغلطة ليس منه.. الغلطة منا نحن. .. تركنا هم يعششون فأرضنا. .. وبكره سيرموننا في البحر. .
الرجل الثالث:
- وما الحل.
يرفع بو حمد يده عاليا ويجعل أصابعه كالقبضة ,
بوحمد :
- لن نسكت .. سوف نقاوم ونقاوم .


الفصل الثالث
المشهد الأول


-إضاءة المسرح تسقط على صالة كبيرة ، فخمة ، بها أثاث كثير، سيدة كبيرة، ترتدي البرقع والملابس التقليدية الإماراتية ، تضع الشيلة على رأسها ، تجلس ، وبيدها الريموت كنترول ، تلف من قناة إلى أخرى ، تدخل الخادمة إليها ، ومعها "أم حمد".

تنهض السيدة وتتجه إلى حيث الخادمة والمرأة وتلوح بيدها في سعادة وترحيب:
- "مرحبا أم"حمد" زارتنا البركة، وينج من زمان ؟

"أم حمد" تحضن المرأة وتقبلها، متأففة من الحر:
- "أف هذا الحر تعبنا، حتى المكيفات مالها فائدة، إخبارك "أم سعيد" والله اشتقنا لسوالفك "

"أم سعيد" تحضن صديقتها ، وتجلسها بجوارها :
- "والله ليس كشوقي لك ، من زمان مالك حس ، توقعت بأنك سافرت إلى لندن أو "بانكوك" تعرفين هذه الأيام صيف والناس ما عندها غير السفر للخارج"

تتحسر "أم حمد" ، وتنهض من مكانها ، وتدور في الصالة ، تضع يدها على الأثاث :
- "من وين يا أختي ؟ تعرفين الحال ، بو"حمد" رجل فقير وعنيد "

تنهض "أم سعيد" وتسارع لصديقتها، تحضنها وهي تضحك:
- " يالله يا "أم حمد" خلينا من الحزن والضيق ، الدنيا ما تستاهل ، راح يفرجها ربنا قريب إنشاء الله "
تلمع خواتم "أم سعيد" و"أم حمد" تطلع إليها في حسرة، تحدث نفسها:
- " يا حسرة ماذا لو وافق أبو حمد على بيع البيت ، كنت ألبس المجوهرات والذهب ونسافر مع الأولاد لأي دولة في العالم ، ليش يارب ، إحنا شو ناقصين عن باقي الناس ؟

"أم سعيد" تنادي على البشكارات بصوت عال ، تقطع "أم حمد" أفكارها وشرودها ، الاثنتان تجلسان متجاورتان ، تدخل مجموعة من الخادمات يتعاون في حمل صينية فيها ما لذ وطاب من الفواكه ، إشكال وأنواع ..
- كل هذا الوقت لكي تحضرن صينية فواكه " "نيتا " روحي هاتي صينية الباتشي ، وهاتي أكواب الضيوف ..."

تسارع "نيتا " الخادمة لإحضار ما تحتاجه سيدتها، بينما "أم حمد" مبهورة بكل شيء من حولها:
- "ما شاء الله ، لديك خادمات كثر "
-" تعرفين البيت كبير ، وإحنا ماشالله عددنا كبير ، وحدة حق "حمودي" الصغير ولد ولدي الله يحفظه ، والثانية تنظف البيت ، والثالثة طباخة والرابعة تغسل وتكوي الملابس ، والخامسة لزوم الكشخة ، يعني تعرفين نحتاج خادمة إذا نزلنا إلى المراكز التجارية (المولات) ، تساعدني في حمل الأغراض "
-تعلق أم حمد :
- ونحن نتمنى خادمة واحدة تخدمنا.
"أم سعيد" ينقلب وجهها ، وترفع يدها أمام صديقتها :
-"ما بك يا أختي ؟ اللهم لا حسد ، نعمة الله اللي وزعها علينا ، ما يقصر "أبو سعيد" وشغله ما شالله في التجارة
تشعر "أم حمد" بأنها بالغت في إظهار عواطفها ومشاعرها ، فتسارع إلى تغيير كلامها ليصبح معسولا :
- " لا يا ختي لا تقولين هالكلام ، والله مضايجة من حالي ، "بو حمد" ما يبغي يبيع بيتنا القديم ، علشان نأخذ شقة في برج كبير ، ونغير حالنا ونسافر نفس باقي الناس "
تصمت، وتتناول من يد "أم سعيد" قطعة تفاحة، تقضمها في بطء:
"والله حالنا ماتسر لا صديق ولا عدو ، الأولاد محتاجين نقود وبيت كبير وسيارات ، وبكرة راح يكبرون ويتزوجون ، "

"أم سعيد" وهي تتناول قضمة من التفاحة التي في يدها ورنين الذهب في يدها يصل إلى أذن "أم حمد" :"

-"والله ما أنصحك يا أختي ، لا تتوقعين كل هذا البذخ راح يمر ببساطة ، والله زوجي مسكين ، مديون لقمة رأسه ، وأتوقع أن هذه الديون سوف تبقى يتحملها أبنائه وأحفاده "

لم تعلق "أم حمد" وكأن كلام "أم سعيد " لم يعجبها بتاتا ، في حين أكملت المرأة حديثها وهي تلف القنوات من قناة إلى أخرى :
" دعك من هذا الحديث الذي يصيب الواحد بالغم والهم، ما رأيك لو تغيرين لون شعرك ؟ شفتي "نور" التركية في مسلسلها مع "مهند" بتجنن صح ؟ تصدقين أفكر أقترح على أبو سعيد" يحجزنا تذكرة ونسافر نتفرج على معالم تركيا "

-شردت "أم حمد" في حياتها، وتمنت لو استطاعت أن تقنع زوجها ببيع منزلها والعيش كأم "سعيد" وغيرها من صديقاتها..

توقظها أصوات عالية، تلتفت فإذا بها تجد امرأة أخرى، تنافس "أم سعيد" في ثيابها الفاخرة، وعباءتها المطرزة، وبرقعها اللامع، تنهض "أم سعيد" تحضن المرأة:
"يا مرحبا الساع فديتك حبيبتي ، الحمد لله على السلامة ، تأخرتم وايد هالمرة في " بانكوك "

-"أم شمسة " تحضن "أم حمد" وتقبلها :
" مرحبا حبيبتي ، أخبارك ، أنت تختفين مرة ومحد يشوفك ، وين قعداتنا الحلوة "

"أم حمد":" الدنيا حبيتي ومشاغلها "

"أم شمسة" :"تعرفين الأولاد ما يصدقون يسافرون علشان يغيرون جو ، ما يبغون يردون البلاد ، والله "بانكوك " بلاد كبيرة ، كل شيء يجول في خاطرك راح تجدينه بدءا من الساعات التقليدية فالحقائب والملابس والكريمات التجميلية .

- كان الكلام بأكمله يجلب لأم "حمد" المزيد من الضيق وهي تسمع هذه العبارات ، و"أم شمسة " تكمل كلامها:" أنا خليت بنتي "شمسة " تستفيد وتبيع حق صديقاتها في الدوام ، لو تشوفين كيف الطلبات التي تينا من كل مكان ؟

- تنهض "أم حمد" من مكانها :" يالله يا حريم بخاطركم ، والله قعدتكم ما تتعوض وتونًس الواحد ، تعالوا لزيارتنا قريب "

تخرج أم "حمد" بعد ما تقبل صديقاتها، ويجلسن الاثنتان في حلقة مدورة على الأرض وأمامهن صينية الفواكه.
"أم شمسة " :
- مسكينة أم "حمد" الهموم كلها على رأسها، خاطرها تغير حياتها وزوجها مش مساعدتها، هو رجل شيبه، وضاع عمره، ويبغي بيته لأنه بيت أهله "

"أم سعيد" :" إنها امرأة حسودة ، لا تفكر بان الحياة نصيب والله يوزع الأرزاق ، دعينا منها وحدثينا عن السفر "لبانكوك" ، لأني مخططه من الأولاد وزوجي للسفر إلى تركيا إنشا الله "

- انهمكت الاثنتان في حديث طويل حول أمورهما..


المشهد الثاني



"أبو حمد" جالس على الأريكة القديمة في منزله الخشبي، ساهما، وشاردا، والحزن والتفكير واضحا على ملامح وجهه..
يقترب منه ولداه ، أحدهما في منتصف العشرينات عمره ، ضعيف البنية ، ملتحي الوجه ، والآخر في السابعة عشر من عمره ، ممتلئ الجسد ، يضع نظارة طبية على عينيه ، يجلس الكبير على يمينه ، بينما الصغير على يساره ..
الشاب الكبير يتحدث بصوت عال :
- " أبوي ، شو صار من فترة وأنت حزين ومتضايق، مش من عادتك إنك تعزل نفسك عن الناس "
"أبو حمد" يتنهد بصوت عال، ويبدو وكأنه سينفجر:

- "والله يا "حمد" تعبت من هذه المشكلة وأدور حل لها من فترة "

قفز الشاب الصغير من مكانه ، في فضول :
"أي مشكلة هذه يا أبوي ؟ معقولة تخفي عنا مشاكلك، إحنا عيالك، والمفروض تشد ظهرك فينا "
"حمد" يرمق أخيه بنظرة عصبية:
- " ومتى الصغار يرمسون ؟ ويسوون روحهم رياييل ؟ اهتم بدروسك يا " عبدالرحمن " ودع مشاكل الكبار للكبار "
انزعج "بوحمد " من الحديث المنفعل بين أبنائه ، وخشي أن تتحول المناقشة إلى مشكلة كبيرة :
- "كفى يا أولاد، لسنا في حلبة صراع.

فلزما الأخوان الصمت وان بقيا يرمقان بعضهما بلوم.

- أكمل الوالد بنبرة حزينة:
" التاجر مازال يصر على شراء البيت بعث لي اليوم المهندس وعرض علي بيع المنزل مقابل مبلغ ضخم، وشقه في البرج. "

قفز "حمد" من مقعده ، وبدأت السعادة على وجهه :
- " رائع، وأخيرا سنترك هذا المنزل القديم والقذر، سوف نودع هذه القذارة ونعيش مثل بقية الناس، لا أصدق "
لم يصدق "بو حمد" كلام والده وتوقع بأنه ربما يهذي من أثر الصدمة ، ولكن الشاب أخذ يدور في أنحاء المنزل ، ويدور ويدور وكأنه تعرض لهستيريا، ودائرة الضوء تتابعه :
- " لا اصدق وكأنني أعيش في حلم ، لقد تعبت من الحياة "

يتعالى صوت ضحكاته القوية ، أكثر وأكثر وهو يكمل ، وجسده يقابل والده وأخيه :
"سوف أعيش كباقي أصدقائي الأثرياء الذين يملكون كل شيء ، من أحدث السيارات الفارهة ، وأفخم الشقق والفلل ، وآخر الموبايلات ، حتى الأكل في المطاعم والمشي في المولات وجيوبهم مملوءة بالأموال ، لن أكون مختلفا عنهم بعد اليوم"

"بوحمد" يبدو وكأنه تعرض لصدمة كبيرة من حديث ولده ، فجلس بجوار "عبدالرحمن" الذي كان يستمع إلى حديث أخيه دون أي تعليق .

مازال حمد يتنطط فرحا وقائلاً :
- " أنت لا تشعر بإحساسي يا والدي ، أشعر بالخزي من نفسي ، حين أتلقى دعوة من أصدقائي للذهاب إلى السينما أو الخروج في رحلة ترفيهية ، أخشى أن أسقط في موقف يجعلهم يعرفون بأني شاب فقير يعتمد على مرتبه الحكومي الضئيل ، الذي لا يكفيه حتى منتصف الشهر فيضطر للتدين من أمه أو حتى من أصدقائه ، إنها فرصة يا والدي ، فرصة العمر ولا تضيعها "

"عبدالرحمن " يتحدث في حدة :
- " أية فرصة تلك ؟ هل أنت مجنون ؟ هل نبيع منزلنا الذي تربينا فيه ؟

"حمد" ويبدو وكأنه سوف ينقض على أخيه :
- " أنت اسكت ولا تتفوه بشيء ، أنا الكبير هنا ،أنت لا تفهم شيء "
الوالد يمسك ابنه "عبدالرحمن " من ثيابه ، محاولا فض النزاع بينهما ، و"حمد " يكمل في عصبية وهو يشير بيديه في وجه أخيه :
" لا زلت صغيرا، اهتم فقط بدروسك ، ودع هذا الحديث للكبار ، سوف نصبح من أصحاب الملايين ، ونشتري شقة فخمة ويكون لدينا رصيد ضخم في البنك ، نستطيع أن نسافر خارج الدولة كل صيف ، "بانكوك " "لندن" "ماليزيا" و "النمسا" ، ما أجمل الأحلام ؟

"بوحمد " ووجهه قد أصبح يشبه الدم في لونه :
- " دعك من كل هذه التفاهات ، لن أترك منزل والدي وأجدادي يذهب سدى هكذا ، أنت وأخوتك لن تقدروا أهمية هذه الأماكن وقيمتها في نفوسنا ، بغض النظر عن احتياجاتكم وحاجاتكم المادية ، هناك ما هو أهم ؟ لقد عشت حياتي في هذه الأماكن"

ينفعل وهو يشير بعصاه إلى تنور الخبز، والجدران العتيقة، وينفعل بقوة لدرجة إنه بدا يسعل ودمعة قهر في عينيه يخفيها بكفه:
- " لقد عشت طفلا ، أركض بين جنبات هذا المنزل ، ترعرعت فيه منذ الطفولة ، وحتى أصبحت رجلا أشيب ، ربيتكم بين أرجاءه ورأيتكم تكبرون بينه ، وقد ضمكم حتى أصبحتم رجالا "

قاطعه حمد في انفعال ، وهو يهز رأسه :
- " دعك من المثاليات ، مثالياتك لن تأكلن عيش ، نحن في زمن التطور والتكنولوجيا السريعة ، انظر من حولك ، العالم يتغير ، وأنت لا تتغير ، عنيد ، وكل ما تملكه العناد والإصرار على موقفك ، وهذا الأمر ضيعنا منذ البداية ، والآن نتذوق مثالياتك ، أسأل والدتي ؟ إنها تشعر بالقهر، لأنك ظللت سنوات داخل هذا المنزل، تذهب من العمل إلى المنزل، حتى ضيعت صحتك، ولم توفر بعملك الحكومي شيء ينفعنا في مستقبلنا، هل فكرت بي و بحياتي ؟ وأخوتي وأخواني هل فكرت فيهم ؟ جميع أصدقائي يعيشون في مستويات خيالية ، يتزوجون ولديهم منازلهم الخاصة ، هل فكرت بي حين أتزوج أين يمكننا أن نسكن ؟
أجابه والده بعصبية :
"اسمعنا يا بني ، لا تكن طماعا ، ليس كل شيء يقاس بالمال ، هناك قيم تظل فينا ، نحميها بدمائنا وقلوبنا وحياتنا ، تبقى معنا دوما ولا يمكننا التخلي عنا ، تلك القيم يا ولدي ليست مجرد شعارات وكلام ، أنت من الأجيال القادمة التي تعلمت في المدرسة ، تعلمت كيف تكتب وقرأت الكتب ؟ ألم يعلموك الحفاظ على ماضي أجدادك ؟ ألم يعملوك ما معنى التراث ؟ ألم يعملوك ما معنى الهوية ؟هل تستغني عن كل هذه الأمور من أجل المادة ؟ يا بني نحن نصنع كل هذه الأمور من حولنا ؟ ولا نتركها تصنعنا، وتجعلنا كالعلب الجاهزة التي تحفظ في مكان بارد، لا قيمة لها، أشياء جامدة دون إحساس..

كان "عبدالرحمن" يتابع حديث والده مع شقيقه ، بمزيج من القلق ، كان الكلام يبدو كبيرا عليه ، ولكنه في كل لحظة كان يهز رأسه ، تارة مع والده وتارة أخرى مع شقيقه . حتى قال لشقيقه :

- "والدي معه حق ، لقد تعلمنا في دروس التربية الوطنية عن تراث أجدادنا ويجب علينا الحفاظ عليه ، لأنه هويتنا ، فكر بكلام والدي ، ودعك من المظاهر ، أصدقاؤك هؤلاء واقعون كلهم تقريبا تحت وطأة الديون ، أقلهم لا يستطيع أن يعيش بسعادة ، حتى زواجه أخذ عليه دين كبير حتى يظهر أمامكم بأنه ولد نعمة ولديه الكثير "

"أبو حمد" وقد أعجبه حديث ابنه الصغير، واحتضنه بذراعيه ":
- " ماشا الله عليك يا ولدي ، بصراحة ونعم التربية ، كلامك كله صح ، فهم أخوك ، شو راح ينفعه البرج "

"حمد" مغتاظ و ينهض من مكانه، ويلوح بيديه في عصبية:
- " لقد مللت من مثالياتك ، غدا كل شيء راح يتغير ، "وعبدالرحمن " لن يظل الشاب المثالي ، عندما يرى الواقع سوف يطالبك بالكثير ، المهم فكر في العرض ولا تضيعه إذا كنت تحبنا وتهتم بنا ، وأتوقع والدتي معنا في هذا الأمر ، فهي يهمها كثيرا سعادتنا "


غادر المكان بسرعة ، دون أن يسمع رأي والده أو حتى دون أن يسمع تعليق واحد من "عبدالرحمن " الذي عاد على صمته منتظرا أي شيء من والده الذي علق في سخط :
- " قلة أدب، أولاد آخر زمن، نربي أولادنا على احترامنا، ينقلبون ضدنا "
"عبدالرحمن " يربت على قدم والده في عطف :
- " لا تضايق نفسك يا والدي، ودعك من العصبية، أيام وسوف ينسى الموضوع، وتجده عند قدميك يطلب العفو والرحمة، وبالنسبة للموضوع فكر فيه بهدوء، فالأمر لك في النهاية "

- من بعيد، تدخل الأم بعباءتها، تدخل في عجلة من أمرها، وصوتها القلق يأتي من بعيد، تنتقل الإضاءة إليها حيث تقف أمام المسرح ، تحيي الجمهور ، ثم تعود إلى حيث عائلتها متجمعة :
- " شو فيكم ؟ أصواتكم عالية ، تعوذوا من إبليس ، ترى يا "بوحمد" ما في شيء يستاهل عصبيتك ، وبعدين أنت صحتك تعبانه، ولا زم تنتبه للسكر والضغط "

"عبدالرحمن" ينهض من مكانه ، يقترب من أمه ويقبلها على رأسها :
- "مرحبا أمي، وين كنت ؟ إحنا ننتظرك من فترة "

"الأم وصوتها القلق ونظراتها التي لا تبارح زوجها:
- " كنت عند "أم سعيد" رحت أسلم عليها وأشوف أخبارها ؟ من زمان والله يا ولدي مارحت عندهم ، تعرف الرسول عليه الصلاة والسلام وصانا على حسن الجيرة ، وكانوا جيرانا ، قبل ما ينتقلون ويروحون فيلتهم الجديدة "

"بوحمد" ينظر إليها ، وملامحه لا تزال في حالة من الغضب :
- " صدق والله يا "أم حمد" خلت المنطقة من البيوت وما بقي غيرنا، إحنا وكم بيت، كل المناطق صارت بنايات وأبراج، وأخبار "أم سعيد" وزوجها وعيالها "؟
"أم حمد" ترفع عباءتها ،وتعدل من برقعها :
" والله يا زوجي ، الدنيا تغيرت لو شفت كبر الفيللا اللي يعيشون فيها ولا الخدم ، خمس بشكارات في بيت واحد ، وبعد عندهم دريول ، وحوض سباحة ، وإلا الذهب وساعة الماركة من ديور اللي تلبسها ، والله أصابني الضيق والحسد من حياتهم ، راح تسافر مع زوجها إلى تركيا ، تقول إنها تتابع مسلسل نور ، وبتروح تشوف القصر اللي صوروا فيه المسلسل ، ناس بطرانه عندها بيزات وايدة "
"بوحمد" في عصبية :
- " بس يا حرمة عيب هذا الكلام ، إنت مش صغيرة علشان تتكلمين جدام ولدنا الصغير عن هذه الأمور ، خليهم يعيشون حياتهم ، كل الناس محاسبة على هذه الأمور البسيطة ، وبعدين أنت تافهة تركضين وراء الماركات ، ما تشوفين عمرج في المرآيا ، صرت عجوز والشعر الأشيب ما قصر فيج "
تقوم "أم حمد" من مكانها ، وهي تصيح بصوت عال:
" والله إنك أناني يا "بوحمد" لا كلامي ولا كلام عيالك يهمك ، كل اللي تفكر فيه نفسك ومثالياتك ، خلي مثالياتك تنفعنا "

تسحب نفسها وعباءتها خلفها ، ويحاول " عبدالرحمن " ملاحقتها ، ولكن والده يجره من يده :
" دعك منها، إنها عجوز متصابية، لقد وصلت لسن الستين، وتفكر بأنها لا تزال صغيرة "
يطلق ضحكة ساخرة ويكمل:
" تظن نفسها شابة حتى تفكر بتفكير المراهقات، وتريد السفر إلى تركيا، وين فيها حيل تمشي للحديقة "
ثم يلتفت إلى ابنه مبتسما ويحضنه قائلا:
تعال يا ولدي نشيل الأتربة التي جرفتها الجرافة أمام بيتنا .
ويخرجان معا .


يسدل الستار .


المشهد الثالث


غرفة متوسطة فيها خمس مكاتب، مجموعة من الشباب المختلفة أعمارهم، يجلس كل واحد في مكتبه، أحدهم يتحدث بالهاتف، والثاني يتفحص أوراق بيديه، والثالث حمد يقرأ الجريدة ويتفحصها، بينما يبدو الرابع منهمكا في شرب الشاي بكل تلذذ، والمكتب الخامس خالٍ من صاحبه..

"حمد" الذي يجلس وسط المكتب في ضجر واضح، ، يقلب الجريدة ، باحثاً عن وظيفة أفضل ،
كان يحدث نفسه بصوت عال :
- " ماذا لو وافق والدي على بيع منزلنا العتيق ، وذهبنا إلى فيللا ضخمة أو حتى شقة في البرج ؟ حين ذلك سوف أترك وظيفتي وأخذ المال الذي سوف يعوضنا به التاجر، وأدخل في تجارة مربحة أكسبها من وراءها الملايين، وأغدو أنا من أصحاب الأبراج العالية ؟

يقاطعه الشاب المنهمك في شرب الشاي يتأمل " حمد" في نظرة مستهزئة:"
ـ "حمد" أشكر ربك على النعمة ، وين بتحصل وظيفة أحسن من وظيفتنا ، أنت مرتاح لا وجع رأس ولا شيء ، أنت قاعد في البراد وتحت أجهزة التكييف ، تقرأ جرائد وتشرب شاي ونسكافيه ، وتمرر الأوراق من مكتبك إلى مكتبي ، تسوي شغلك شوي ، شوي ، ما تحتاج إلى تركيز كبير"

يرد "حمد" دون أن يلتفت إليه، وعينياه لا تفارقان الجريدة:
" أنت ما تحس فيني يا "طارق" الراتب ما يكفينا ، اصرف منه على أهلي والباقي يروح مصاريف وديون على السيارة ، واللي باقي منه بترول ومكالمات التلفون ، من أحط رصيد يختفي بسرعة ، يطير "

يسكت قليلا ، ثم يعاود الحديث في حسرة :

" أبغي أعرس ، وأنت تعرف هذه الأيام المهور غالية ، والحجز في القاعات بعد غالي ، وما تكفي خمسمائة ألف تجهيزات العرس ، الحرمة تبغي عقب العرس ، شهر عسل وهدايا حق أهلها ، وبعدين ندور حقنا فيللا بإيجار ودريول .. يعني هم في هم، وإذا جاءوا الأطفال، وكبروا تكثر مصاريفهم، وما نخلص طول عمرنا من الديون اللي تلاحقنا حتى الموت "

" طارق" يمسك بكوب الشاي ، ووجهه في وجه صديقه "حمد" الذي منشغل عنه بالنظر إلى الجريدة :
- " سوف تفرج بإذن الله ، شوف أنا تزوجت ووكلت أمري ببنت عمي ، وجالس في بيتنا ، لا بعور رأسي ببيوت الإيجار ، بيت أبوي كبير ونظيف ، صح قديم بس أنا ما استحي منه ، هذا بيت أجدادنا ، ومثل ما سكن جدي فيه مع جدتي وبعد أبوي مع أمي ، راح أسكن فيه مع عيالي إلى ما شالله "

شعر "حمد" بصداع في رأسه، كان نقاشه مع والده لا يزال متأثرا به حتى هذه اللحظة، وأكمل "طارق":
- " لديكم منزل نظيف، وأنتم ساكنين في منطقة معروفة، يمكنك العيش مع زوجتك في منزلك، وصدقني حالك سوف يتغير مع الوقت "

يتدخل زميل آخر لهم في الحديث :"
- أية وظيفة تلك ؟ يظل الشخص خمس أو ستة أعوام في دراسته الجامعية ويتخصص في تخصص غير مطلوب منه ، وعندما يتوظف في العمل ، يضعونه على أي شاغر ، فيأخذ وظيفة لا تليق بشهاداته ، وعمل لا يتناسب مع تخصصه ، وفوق كل هذا وذاك قد يظل عشر سنوات دون ترقية ولا يحصل على مكافآت ، وحجة المدير في ذلك بأنه لا توجد في بلادنا كفاءات ، إنهم يحضرون الأجانب إلى بلادنا ويأخذون مناصب كبيرة وبرواتب تفوق الخيال ، بينما نحن أهل البلاد تكون رواتبنا قليلة وفرصنا معدومة "
يتدخل الشخص الذي يتفحص الأوراق :
- " بالطبع هذا هو الحال ، ولكن سوف يتغير هذا الأمر ولن يظل على ما هو عليه صدقونا ، ثم أنصحكم بعدم الحديث في هذه الأمور حتى لا تضيعوا على أنفسكم ، فالجدران لها أذان ، وهناك الكثير من النفوس المريضة التي تنقل الأحاديث بصورة مشوهة ، ولا نريد لأحد أن يتعرض لأي أذى جراء كلمات لا تنفع ولا تسمن من جوع ، دعوكم من هذا الجو ؟ ما رأيكم تسهرون معي في الشاليه ؟ سوف أحضر شلة من أصدقائي إلى شاليه والدي ، سوف نستمتع، وأحضر معي بعض الفتيات حتى نتسلى معا ..

ينهض "حمد" من مكتبه ، ويرمي بالجريدة بعصبية :
- " شكرا يا أخوي، بس أنا ما أحب السهر برع المنزل "

يترك مكتبه، ويتجه للخارج، فيكمل صاحب الأوراق مستغربا من تصرف "حمد":
- حمد يتصرف بغرابة، رجل عديم الذوق، وكل الأمور يأخذها بمنتهى العصبية "

"طارق " وقد انتهى من شرب الشاي، وأخذ يتفحص أوراقه:
- " إنه شخص طموح ويريد أن يعيش حياته بمستوى راق، شاب عصامي، بنى نفسه بجد، ولكن الظروف لا تساعده أبدا "

ثم يلتفت إلى المكتب الخالي من صاحبه ، ويبدو وكأنه تذكر شيئا :" وين " بو طارش" ، من يومين غايب عن الدوام "

- صاحب الأوراق يضحك ، نرى ابتسامة خبيثة يتبادلها مع صديقه :" وين بعد ، عنده إجازة مرضية غير محددة ، وما خذ الحرمة في شهر عسل في "أستراليا" ، ناس عندها واسطة "
يصمت "طارق" ولا يجد ما يعلق به على حديث صديقه


يسدل الستار

الفصل الثالث


مكتب ضخم. جهاز كمبيوتر على المكتب, تلفون, كراسي واسعة أمام المكتب, سجادة عجمي حرير أصلي مفروشة على الأرض, ونرى زجاج منهمك في قراءة جريدة في مكتبة, وخلفه صورة كبيرة لبرج سكني.
يدخل طين, بملابسة التقليدية المحلية, نرى في وجهه التعب, لكن رأسه مرفوع بكبرياء, يصيح زجاج بفرح مصطنع أثناء رؤيته " طين ".
زجاج :
- أهلا يا صديقي
يمشي طين حول المكتب ويتفرج من حوله .
ويقول ساخرا :
- هذا هو البرج .
ينهض الزجاج من كرسيه, ويمشي ويفرش يديه وكأنه يهم بحضن كل ما في المكتب.
زجاج:
- هذه هو البرج
الطين:
- والسعادة.. أين هي ؟
زجاج:
- هذه هي السعادة, أن تجلس في مكتبك, وتقرءا الصحف, وتشرب قهوتك, دون أن يزعجك أحد.
الطين:
- هذا يسمى كسل
يضحك الزجاج ويقول :
سمها ما شئت , لكن انظر , ما أجمل هذا البرج , بحق يا رجل , أليس أجمل من بيتك الطيني.
الطين :
- هل ترضي لأحد أن يقول لك ابني أجمل من ابنك.
يهز الزجاج رأسه :
- أنت عنيد وصعب المراس .
الطين:
- أنا ابن هذه الأرض, آكل وأشرب وأخلص لها.
الزجاج:
- أنا أيضا ابن هذه الأرض, آكل وأشرب, أيضا أخلص لها.
يتفرج الطين نحو الزجاج ويفحصه , ويقول :
- لا . لست ابن هذه الأرض, انظر لوجهك الأملس, وثيابك الإفرنجية.
يعلو صوت الزجاج ضاحكا.
زجاج:
- يا رجل , لا يعجبك البرج , ولا يعجبك ملابسي . ما الذي يعجبك .
الطين :
- أن تعود لأصلك , وتحافظ عليه طين,تحافظ على هويتك الحقيقية , لا أن تدوسها , وتزرع بدلا عنها هذه الحضارة , التي تسلب منا وجودنا وحضارتنا وقيمنا , إنها حضارة أجيال وأجيال طويلة , وأنت الآن , ويا للأسف تهد كل شيء جميل وحقيقي , وتقول أنك ابناً مخلصاً لأرضك.

- لم يبدو أن زجاج قد تأثر بحديث طين , حيث كان أثناء ذلك يشعل سيجارته الكوبية , ويمشي ذهابا وإياباً في المكتب .
زجاج:
- حسناً, ما الذي سوف أستفيده من هذه الحضارة , التي لها مئات السنين , الآن؟
طين :
- كم سيعيش هذه البرج .
يرفع الزجاج رأسه نحو سقف الغرفة, وبدأ وكأنه يفكر.
زجاج:
- سبعين, ثمانين سنه.
يبتسم طين :
هذه هي حضارتك, ثمانين سنه. ألا تعرف أن بيتي الذي هدمته في ساعات قليلة, عمره مئات السنين.
يبدأ الارتباك على زجاج .
طين :
- ما الذي سيبقى, إذا كنت سوف تهد كل هويتنا.
زجاج:
- إننا نبني حضارة عصرية قوية .
طين :
والإنسان ؟
زجاج:
- الإنسان. ما به ؟ !
طين :
وهل سوف تسحقه بالجرافات؟.
زجاج, محاولا أن يفتعل ابتسامه:
- لست قاتلا.
يضحك الطين طويلا ويدور حول المكتب وينظر إلى اللوحة الكبيرة.
طين :
- أنت تقتلنا كل يوم.
زجاج:
- أنت رجل غريب, وتود أن تعيش في العصر الحجري, هذا البرج الكبير, سوف تعيش فيه أنت وأولادك.
طين :
- أنا.
يذهب إلى مكتبه ويخرج منه أوراق ويرفعها أمام الطين :
- انظر, هذا عقد تمليك لشقة باسمك في البرج.
ينظر الطين إلى الأوراق .
طين :
- لا أريدها
زجاج:
آه . فهمت تود نقود. لا باس.
يخرج من جيبه شيكاً ويحرره , ويعطي لطين .
زجاج:
- هذه المبلغ سيكفي لتبني به فيلا.
يأخذ طين الشيك ويمزقه , ثم يرميه على وجه زجاج .
زجاج مندهشا:
- أنت مجنون, ما الذي تريده, أن أهد هذه البرج, وأبني بدلاً عنه بيتا كبيتك الطيني.
يمشي طين متجها نحو الخارج.
طين :
- لن أجعل أمثالك يدمرون هويتنا , ستجدني في كل مكان , لا تعتقد أني وحدي , هناك الآلاف مثلي , لن ترعبهم جرافتك أو نقودك .
بيداء الارتباك في وجه زجاج .
زجاج:
- إهدأ يا رجل .. أنا أصنع حضارة جديدة لأولادنا .. أولادي وأولادك وأولاد الآلاف.
طين :
- أنت تسلبها منهم, ما الذي ستقوله لأولادك, عندما يكتشفون أن لا هوية لهم, إذا كنت فعلا ابن هذه الأرض, يكفي هدم.
ويتابع طين :
ابني حضارتك الجديدة كما تسميها. لكن عليك أن تحافظ على حضارتك القديمة هويتك وهوية أجدادك القدماء وهوية أولادك وأحفادك . لا أن تهد لكي تبني حضارة وليدة . إن الله منح هذه الأرض الطيبة الخير والمحبة . سأقف معك إن كنت وفياً لها ولنا , أرضنا واسعة ابن ما شئت حتى على البحار .
زجاج:
- كأنك تطلب مني أن أترك كل شيء أنجزته.
يهم طين بالخروج .
طين :
- أنا فقط أطلب منك أن لا تترك أصلك.. سأتركك لضميرك .. وأتمنى أن لا يتأخر.
يخرج طين , ويبقى زجاج جالس على مكتبه، ويدفن وجهه على وجهه , ويبدأ تدريجيا الظلام يخيم على المسرح , ويسلط الضوء على زجاج , وتتصاعد أصوات الجرافات وصرخات نساء وأطفال ورجال , وتسبب هذه الصرخات صداعاً مؤلما على زجاج.
يضع يده على أذنيه حتى لا يسمعها , لكن الأصوات ترتفع وبكاء الأطفال لا يتوقف .. ويسمع صوت طين يأتي له :
- لن أجعل أمثالك يخربون هويتنا.. لن ترعبهم جرافتك أو نقودك .. ما الذي ستقوله لأولادك , عندما يكتشفون أن لا هوية لهم .
يقف زجاج صارخاً :
- يكفي .. يكفي .
تعود الأضواء للمسرح ويدخل أبو حمد, وقد جعل أصابعه كقبضة.. وتقدم من زجاج وسأله :
- هل تعرف ما الذي أخفيه في قبضتي هذه ؟
ينظر زجاج بريبة نحوها ويقول :
- ما الذي تخفي ؟
يفتح طين قبضته ويكشف عن قطعه نقدية معدنية ويضعها على مكتب زجاج ويقول له ساخرا:
- سوف اشتري برجك بهذه القطعة .
ويخرج وضحكته تشتعل في المكان .. ويصرخ زجاج كالمجنون :
- هييه ..سوف أهد بيتك.. سأهد كل شي أمامي. .. كل شيء .
ويختفي صوته تدريجيا ... ويسدل الستار
النهاية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
طين وزجاج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي شباب المسرح :: خاص بمسرح طيبه اكاديمي-
انتقل الى: